"أنا يقظ": شبهات سوء تصرّف وإهدار المال العام مرتكبة من قبل الشّركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه


تحقيقات أنا يقظ- وردت على منظمة "أنا يقظ" مجموعة من الوثائق والمعطيات الّتي تكشف شبهات سوء تصرّف وإهدار المال العام مرتكبة من قبل الشّركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه إلى جانب شبهة فساد وتلاعب في الصفقة العمومية لمحطّة تحلية مياه البحر بصفاقس الممّولة من قبل الوكالة اليابانيّة للتّعاون الدّولي (JICA) والّتي آلت إلى المجمع COBRA INSTALLACIONES Y SERVICIOS/METITO OVERSEAS/ORASCOM CONSTRUCTION، حيث كان من المنتظر أن تنتهي الأشغال سنة 2022 إلّا أنّها لم تنطلق إلّا في غرّة أفريل 2022 تحت إشراف رئيسة الحكومة نجلاء بودن الّتي أعطت إشارة انطلاق أشغال بناء محطّة المياه.

 وبما أنّ هذا المشروع تعطّل منذ سنة 2020 بسبب شبهة تلاعب في الصفقة العموميّة الّتي آلت إلى مجمع الشركات الوحيد المشارك في طلب العروض ، حيث وقفت الهيئة العليا للطلب العمومي من خلال اللّجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصفقات العمومية أمام إبرام هذه الصفقة باسناد رأيها بالرفض ولكن بما أنّ رأيها استشاريّ وغير مطابق بالنسبة للصفقات العموميّة الّتي تبرمها المنشآت العموميّة فقد تجاهلت الشّركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه رأيها ولم تعتمده. الأمر الّذي أثّر على إجراءات إسناد الصّفقة.
 
فبحيث أنّ رأي الهيئة العليا للطلب العمومي قائم على الأسباب التالية:
 
- محدوديّة المنافسة الّتي ااعتبرت فيها اقصاء للمؤسسات الوطنيّة إلى جانب وطول إجراءات المنافسة ممّا يؤثّر على نتيجتها، خاصّة بعد أن سحب مجمع TECNICASصاحب العرض الثاني عرضه في آخر لحظة وهو ما يزيد من شبهة التلاعب في المناقصات.
 
- التّفاوت الضّخم بنسبة 40,7% بين العرض المالي المقدّم من المجمع الحائز على الصفقة وتقديرات الشّركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه؛
 
- كما لاحظت اللجنة المختصة لمراقبة وتدقيق صفقات البناءات والهندسة المدنية والدراسات المتصلة بها أنّ إجراءات التفاوض مع المجمع الحائز على الصفقة غير مطابقة لقواعد المموّل المتعلّقة بإبرام الصفقات العمومية والتي تمثّل جزء من اتفاقية التمويل لا تجيز التفاوض بخصوص الأسعار خلافا لما أفادت به المنشأة وأنّ الترخيص الاستثنائي المنصوص عليه بالفصل 5.5 من القواعد لا يتعلق بوضعية الحال باعتبار أنّه "يؤدّي إلى مراجعة الخاصيات الفنية أو إحداث تغييرات في المشروع وهو ما يمثل مساسا بقواعد المنافسة ويستوجب إعادة المنافسة".
 
حيث أنّه من الجليّ أن الشركة الوطنيّة لاستغلال وتوزيع المياه أسرفت في المماطلة في هذا المشروع حتى خلقت الحاجة الملحّة في صفوف المواطنين مما يسمح بتسريع عملية التعاقد بأي ثمن بعد أن رفع شعار "صفاقس عطشانة" والحال انّها من تسببت في عطش المواطنين.
 
كما أنّ المريب في هذا االمشروع أنّه لم يتمّ تقسيمه إلى أقساط بطريقة تسمح بتشريك أكثر تونسيّين ومؤسسات وطنيّة ناشئة في المقابل تمّ اعتماد طريقة "المفتاح في اليد" مما رفّع سعر الصفقة بمبلغ 260 مليون دينار وتسبب في محدوديّة المنافسة في مخالفة صريحة للفصل 16 من أمر عدد 1039 لسنة 2014 مؤرخ في 13 مارس 2014 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية الّذي ينصّ على أنّه "يتعيّن على المشتري العمومي أثناء إعداد كراسات الشروط مراعاة قدرات المقاولين والمنتجين ومسديي الخدمات ومكاتب الدراسات الوطنية وأهداف التنمية المستدامة. ويكون توزيع الطلبات إلى أقساط وجوبيا، كلما تبين أن ذلك التوزيع يساعد على مشاركة المؤسسات الوطنية أو يوفر فوائد مالية أو فنية أو اجتماعية".
نشير إلى كون هذه الصفقة تعطّلت لمدّة طويلة بسبب عدم احترامها لقواعد الشفافية والمنافسة للأمر الإطاري للصفقات العموميّة إلا أنّها عادت لطاولة التفاوض خلال فترة حكومة هشام المشيشي،
 
وقامت السيّدة نجلاء بودن بإعطاء شارة انطلاق المشروع والحال انّها رئيسة الحكومة التي رفعت شعار مكافحة الفساد وادّعت أنّها جاءت للقطع مع سياسة الحكومة السابقة لها لكنّها في الواقع واصلت في نفس سياسة من سبقها دون طرح أسئلة ودون الأخذ برأي اللّجنة العليا لمراقبة وتدقيق الصّفقات العموميّة التّابعة للهيئة العليا للطلب العمومي برئاسة الحكومة الّتي لم توافق في ثلاث مناسبات ( بتاريخ 23 جويلية 2020 ثمّ بتاريخ 05 جانفي 2021 ثمّ بتاريخ 29 جانفي 2021) على إسناد الصّفقة العموميّة إلى المجمع COBRA INSTALLACIONES Y SERVICIOS/METITO OVERSEAS/ORASCOM CONSTRUCTION. حيث أنّ ماسبق بيانه من شبهات تحوم حول صفقة محطّة تحلية مياه البحر بصفاقس، يدعونا إلى مطالبة السيّدة رئيسة الحكومة يتقديم توضيحات وتبريرات لقيامها بتدشين المشروع دون تحقيق أو كشف للحقائق.
 
وبهذا الصدد نذكّر بمشروع المرسوم المتعلّق بضبط أحكام خاصّة للتسريع في إنجاز المشاريع العموميّة ودفع مشاريع القطاع الخاص الّذي تعتزم من خلاله الحكومة إلغاء الرقابة المسبقة لهياكل الرقابة ولجان مراقبة الصفقات العموميّة في المشاريع الممولة من قبل هيئات التمويل الأجنبيّة، الأمر الّذي يشكل خطرا على شفافيّة ونزاهة الصفقات العموميّة، بل ويجعل "رأي الممول" أهم وأعلى سلطة من رأي المصالح الرقابيّة للدولة، كما يتعبر إقصاء ممنهجا لمصالح الهيئة العليا للطلب العمومي الّتي تصدّت للصفقات المشبوهة ولعلّ ملف الحال دليل على سياسة الدولة في هذا الإتجاه.
 
في الختام ندعو النيابة العمومية إلى إثارة دعوى أمام محكمة المحاسبات في مادة زجر أخطاء التصرف كما نتمنى للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه عيد ميلاد أكثر شفافيّة واحتراما للقانون ونتمنى أن تتحلّى في السنوات القادمة بالنزاهة الكافية لتقديم المصلحة العامة والحفاظ على أموال دافعي الضرائب و سيادة القرارات الوطنية.
 
 

تعليق جديد

فريق التحرير




مقالات أخرى للكاتب

فريق التحرير