سؤال الأسبوع: كيف يمكن للصحفي تصحيح خطأ في تغطيته لحدث علمي؟
على الصحفيين العلميين تقديم تغطية دقيقة وموثوقة للأحداث العلمية وتجنب الأخبار المضللة. ولكن، كما هو الحال في أي مجال آخر، قد تحدث أخطاء أو مغالطات أثناء تغطية حدث ما. تصحيح هذه الأخطاء ليس فقط أمرًا ضروريًا للحفاظ على مصداقية الصحفي والمصداقية العامة للوسيلة الإعلامية التي يعمل بها، بل هو جزء من الالتزام بالأخلاقيات المهنية في الصحافة العلمية. فمن خلال تصحيح الخطأ، يمكن للصحفيين تعزيز الثقة بين جمهورهم والمجتمع العلمي، وتحقيق المزيد من الشفافية والمصداقية.
أول خطوة يجب على الصحفي اتخاذها عند اكتشاف خطأ في تغطيته هي الاعتراف بالخطأ بصراحة ووضوح، مثلما أشار إلى ذلك الصحفي محمد عمران جيري. في بعض الأحيان، يمكن أن يكون التصحيح محرجًا، خاصة إذا كان الخطأ قد تم نشره على نطاق واسع أو كان له تأثير كبير على الرأي العام. لكن التزام الصحفي بالشفافية واعترافه بالخطأ يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على مصداقيته. كما يظهر التزام الصحفي بالمصداقية واستعداده لتحمل المسؤولية عن أي معلومات خاطئة تم نشرها.
بعد الاعتراف بالخطأ، يجب على الصحفي أن يوضح بشكل دقيق ما كان الخطأ وما الذي تم تصحيحه. لا يكفي أن يقول الصحفي "لقد ارتكبنا خطأ". عليه أن يشرح تحديدًا ما الذي تم تصحيحه، وكيف تم الوصول إلى هذه الحقيقة. على سبيل المثال، في حالة نشر نتائج دراسة غير دقيقة، يجب على الصحفي أن يوضح السبب الذي جعل النتائج الأولية غير صحيحة وما هي الحقائق الجديدة التي تم التأكد منها. هذا لا يساعد فقط في تصحيح الخطأ، بل يقدم أيضًا للجمهور فرصة لفهم العملية الصحفية وكيفية التحقق من المعلومات.
يجب على الصحفي أيضًا نشر التصحيح في الأماكن التي تم فيها نشر الخطأ الأصلي. إذا تم نشر المقال أو التقرير الخاطئ على موقع إلكتروني أو في جريدة، يجب أن يكون التصحيح متاحًا في نفس المكان بحيث يمكن للقارئ الرجوع إليه بسهولة. في بعض الحالات، قد يكون من المفيد إضافة ملاحظات توضح كيف تم تصحيح المعلومات وتقديم تفاصيل حول المصادر التي أدت إلى التغيير. كما أكدت الزميلة هند الهوني، من السهل التعديل في حالة النشر الإلكتروني، ويمكن أيضًا نشر منشور يوضح جزئية الخطأ. على سبيل المثال، في قصة الخفافيش خلال جائحة كورونا، حيث كان هناك ادعاء بأن الخفافيش هي التي نقلت الفيروس، قامت إحدى الصحف بنشر تصحيح بعد أن تبين أن هذه المعلومات غير دقيقة. و في حالة نشر المعلومات الخاطئة في تقارير تليفزيونية أو إذاعية، يجب أن يتم بث تصحيح أو توضيح جديد في أقرب وقت ممكن لضمان وصول المعلومات الصحيحة إلى الجمهور، بنفس البرنامج إن أمكن.
من الضروري أن يظل الصحفيون على اتصال دائم بالمصادر العلمية التي كانوا قد استندوا إليها في تغطيتهم. في حالة حدوث خطأ بسبب إهمال في التحقق من المصدر، يجب أن يعمل الصحفي على استعادة العلاقة مع المصدر وإعادة التواصل معه للحصول على معلومات إضافية أو توضيحات. هذا التفاعل مع المصادر لا يقتصر على تصحيح الخطأ فقط، بل هو فرصة لبناء علاقات طويلة الأمد مع الخبراء في المجال العلمي الذين يمكن أن يكونوا مصدرًا موثوقًا للمعلومات في المستقبل. من خلال الحفاظ على هذه العلاقة مع العلماء، يتمكن الصحفي من الحصول على الحقائق الدقيقة والمحدثة التي تساعده في تجنب الأخطاء المستقبلية.
التصحيح الفعال للخطأ لا يقتصر فقط على توفير المعلومات الصحيحة فحسب، بل يتطلب أيضًا الحذر في كيفية تقديم هذه المعلومات. عندما يصحح الصحفي الخطأ، عليه أن يحترم القيم الأساسية في الصحافة العلمية مثل الموضوعية والحياد. يجب أن يكون التصحيح متوازنًا ولا يحمل أي شكل من أشكال النقد غير المبرر للمصادر التي ارتكبت الخطأ. التصحيح ليس مجرد عملية تقنية، بل هو أيضًا فرصة لتأكيد التزام الصحفي بالمبادئ الأخلاقية في عمله. من خلال تقديم التصحيح بطريقة دقيقة ومهنية، يمكن للصحفي أن يثبت للجمهور التزامه بالشفافية والأمانة العلمية.
كما يجب على الصحفي العلم أن يتعلم من الأخطاء التي قد تحدث ويضع استراتيجيات لتجنب حدوثها في المستقبل. مراجعة أساليب البحث والتحقق من المعلومات وتقييم المصادر بعناية يمكن أن تساهم في تقليل احتمال الوقوع في الأخطاء. في حالة حدوث خطأ، يجب أن يتعامل الصحفي معه على أنه فرصة لتحسين أساليب العمل واكتساب خبرات إضافية. من خلال هذه المراجعة المستمرة والتعلم، يستطيع الصحفي تعزيز جودة عمله وضمان تقديم تقارير علمية دقيقة للمجتمع.
أخيرًا، إن التعامل مع الأخطاء في التغطية العلمية ليس مجرد تصحيح للمعلومات، بل هو جزء من تعزيز دور الصحافة في بناء الثقة بين العلماء والجمهور. في عالم يتزايد فيه انتشار المعلومات المضللة، تصبح المسؤولية التي يتحملها الصحفيون العلميون أكبر من أي وقت مضى. من خلال تصحيح الأخطاء بشكل مناسب وشفاف، يمكن للصحفيين أن يساهموا في رفع مستوى الوعي العلمي وتشجيع التفكير النقدي بين جمهورهم. وفي النهاية، يتعين على الصحفيين العلميين أن يدركوا أن دقة المعلومات والمصداقية هي الأساس الذي يقوم عليه بناء علاقة متينة بين الإعلام والجمهور، وهو ما يسهم في تشكيل مجتمع أكثر إلمامًا بالحقائق العلمية ومبني على أساس من المعرفة المتينة.
تعليق جديد