بمناسبة اليوم العالمي لحقوق النساء: "الحقوق لا تتجزأ والتضامن مع الضحايا لا ينقطع"


بمناسبة الاحتفاء باليوم العالمي لحقوق النساء تطلق الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات صيحة فزع لما تواجهه النساء من حيف وتمييز وعنف وصل حد التقتيل والتشويه ومن استغلال وتفقير وإقصاء، لتجدد العهد على ما التزمنا به منذ أكثر من 33 سنة تضامنا مع ضحايا الوصاية الذكورية وانتصارا للقضايا العادلة وللمساواة التامة والفعلية. إن احتفالنا باليوم العالمي لحقوق النساء يصادف هذه السنة ما نواجهه من تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية غير مسبوقة زادتها الحروب المندلعة في مختلف انحاء العالم تعقيدا حيث تتابع اغلب شعوب العالم تأثير الحرب الروسية الاكرانية على معيشها وقوتها اليومي بعد أكثر من سنتين من الركود نتيجة للازمة الصحية العالمية من جراء تفشي فيروس كورونا.

وفي هذا الوضع المتأزم تطالعنا على المستوى الوطني سلسلة المراسيم الرئاسية الخاصة بوضعية الاستثناء منذ 25 جويلية 2021، نبهت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منذ الأيام الأولى إلى ضرورة تحديد سقف زمني للاستثناء حتى لا يكون الاستثناء تعلّة للمس بالحريات والتراجع عن المكاسب بل وطالبت أن تكون هذه الوضعية فرصة لترسيخ الديمقراطية والدفع بحقوق النساء والمساواة في إطار تشاركي وحوار وطني فعلي وبناء.

وبعد مضي أكثر من 7 أشهر من دخولنا حالة الاستثناء وتجميد البرلمان والعمل بالمراسيم الرئاسية وحل المجلس الأعلى للقضاء وما تبعها من جدل وتباين في أوساط مكونات المجتمع المدني والسياسي، فإنه يحق لنا أن نعبر عن انشغالنا العميق لما وصلت له أوضاع النساء في بلادنا في مناخ يتسم بالضبابية وانعدام الرؤية الواضحة وغياب البدائل بل أن كل المؤشرات  تدل على تهديد واضح  لكل المكاسب فمحاربة الفساد لم تتجاوز استهداف بعض الأشخاص بعينهم ولم توضع لها خطة لتعزيز آليات الرقابة والمحاسبة والوقاية منها كآفة تنخر كل مؤسسات الدولة. إن التصريحات المبهمة والشعارات المتشنجة لا تكفي بل ان الوضع يستوجب تشريك كل نفس وطني مع اعتماد الشفافية والتشاركية والكف عن التعميم بشيطنة كل الأحزاب والمنظمات الوطنية والجمعيات المدنية إلا تلك التي أجرمت في حق الوطن والشعب.

لقد كان الانفراد بالسلطة والقرارات يعتبر المنجز الوحيد لهذه المرحلة الاستثنائية مع التهديد بحل الجمعيات وحل الهيئات التعديلية ولا يبعث على الاطمئنان بل ينذر برجوع منظومة حكم ثار ضدها الشعب وشاءت إرادته لها أن ترحل دون رجعة. 

فأين نحن من المساواة والعدالة الاجتماعية للنساء في هذه الأوضاع؟ وأي كرامة للنساء التونسيات في حالة الاستثناء؟

 بعد عشر سنوات المنقضية من النضال المستميت من أجل تثبيت الحريات وحقوق النساء في المساواة التامة والفعلية، يحق لنا الاعتزاز بمكاسبنا والتصدي لكل محاولة للتراجع عنها أو ضربها، ولم تكن مسيرتنا سهلة ودون تعرجات بل تصدينا لمختلف التعبيرات الذكورية والمشاريع الرجعية التي اتحدت في معاداة النساء باعتبارهن مواطنات من درجة ثانية أو أن مواطنتهن تقتصر على الفضاء العام إذ تصبح كل امرأة تحت وصاية "ولي أمرها الذكر" داخل العائلة. 

لقد واجهنا كمّا هائلا من الفتاوى والاستفتاءات على حقوق النساء وصل الى حد التشكيك في إنسانيتهن، ورغم ذلك حققنا جملة من المكاسب بدءا بالمنشوريْ 88 و89  ورفع التحفظات على الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة وتضمين التناصف في القانون الانتخابي مرورا بمعركة الدستور وما رافقها من تلاعب باللغة والمصطلحات حول التكامل واستثناء النساء من المساواة والكرامة والمواطنة الفعلية، وصولا إلى  القانون الأساسي 58-2017 المتعلق بالقضاء على العنف المسلط على النساء وإلغاء منشور منع زواج المسلمة بغير المسلم  ومناصرة للمصادقة على قانون 37- 2021 الخاص بحماية العاملات المنزليات.

لكن كل هذه المكاسب على أهميتها لا تنسينا ما نعيشه يوميا من اعتداءات وتعدّ صارخ على حقوق النساء وامتهان كرامتهن واستغلالهن وإقصائهن من مختلف الفضاءات والمجالات:

أ‌-          العنف ضد النساء امتهان لكرامتهن وخرق لحقوقهن 

لقد وصلت فظاعة الجرائم المرتكبة ضد النساء أقصى أشكال التنكيل والتقتيل فلم تسلم الرضيعة ولا المسنة ولا ام الأطفال التي اغتصبت امام مرأى ومسمع أطفالها زد على ذلك عجز الهياكل الرسمية على مجابهة هذه الوضعيات واستنجادها بخبرة الجمعيات في هذا المجال. وبقدر ايماننا بان القضاء على العنف المسلط على النساء يتطلب تظافر الجهود وتعدد المتدخلين سواء على مستوى الوقاية أو الحماية او في تتبع المعتدين أو في مجال التعهد، فإننا نعتبر أن حماية النساء من العنف هو واجب محمول أولا على الدولة ثم على المجتمع. وفي غياب استراتيجيا وطنية تدعمه الإرادة السياسية الجدية، يظل التمييز الجنسي الذي يعطي السلطة المطلقة والعلوية للذكور في التصرف في أجساد النساء ومراقبتها وحتى تملكها.

في هذا المجال نعتبر أنه من الضروري المحافظة على النسيج الجمعياتي المعني بمناهضة العنف والدفاع عن حقوق النساء والتراجع على تنقيح مرسوم 88- 2011 في هذه الظروف الاستثنائية مع اتخاذ كل التدابير اللازمة لتطبيق القانون الأساسي 58-2017 ورصد الميزانيات الضرورية لتمكين جميع الجهات من وسائل مقاومة ظاهرة العنف والتصدي لها بشكل ناجع.

ب‌-      لا عدالة اجتماعية دون تفعيل المساواة وتكافؤ الفرص للنساء والجهات في التوزيع العادل للثروات 

ان العدالة الاجتماعية التي تطمح لها كل الشعوب والتي كانت المحرك الأساسي في اندلاع ثورة الحرية والكرامة 17 ديسمبر 14 جانفي 2011، لا زالت هدفا صعب المنال في ظل الاختيارات الرأسمالية المتوحشة ونظام الاقتصاد الريعي التي لم تقطع معها المنظومة الحالية بل عمقت الهوة بين الجهات والفئات فزاد الثراء لطبقة الأثرياء وتفقرت أكثر الفئات الفقيرة بل توسعت قاعدتها بما أضافته أبوية المجتمع هي جندرة هذه الفوارق وتحميل النساء عبء هذه الاختيارات ومضاعفتها قانونيا وثقافيا وسياسيا.

فقانون المواريث الذي أبقى على قاعدة "للذكر مثل حظ الأنثيين"، يمنع ولوج النساء للثروة بصفة متساوية ويحول دون تمتع غالبيتهن بالعيش الكريم والاستقلالية المادية أساس التحرر والمواطنة الفعلية.

وعلى مستوى التشغيل لازالت الفرص للنساء محدودة ولا تعترف بكفاءتهن ويجبرن على العمل في مجالات هشة تعددت التسميات والآليات (16/20…وغيرها)، وإلى حد اليوم تواصل المعطلات في عديد الجهات النضال من أجل حقهن في العمل اللائق كما هو الحال مع تضاعف نسبة البطالة لدى صاحبات الشهادات العليا مقارنة بنسبة الذكور لنفس الفئة. ويبقى العمل الفلاحي الموسمي يمثل الحل الوحيد للنساء حيث يعملن بنصف أجر الذكور رغم ما يوفرنه من غذاء للمجموعة الوطنية في غياب أي حماية اجتماعية وفي ظروف تنقل كارثية مهددة بشاحنات الموت. كما يبقى ولوج النساء للأرض وتمكينهن من استغلال الأراضي الدولية منعدما مما يمثل تمييزا وحيفا ضدهن تمارسه مؤسسات الدولة مثلما هو حال نساء منطقة "لقصاب" بولاية سليانة.

فظاهرة تأنيث الفقر لا يمكن التصدي لها بمعزل عن تفعيل مبدأ المساواة بين الجنسين في جميع النصوص القانونية واعتماد منوال تنموي عادل مبني على الاقتصاد التضامني و تكافؤ الفرص  بين الجهات وبين النساء والرجال مع اتخاذ جملة من التدابير الايجابية لوضع حد لهذه الفوارق بعيدا عن الشفقة والاستعطاف و التعامل مع النساء كمواطنات صاحبات حق كامل لا كقصر  استوجب الإنفاق عليهن  بما تيسر، وذلك باعتماد مبدأ جندرة الميزانية والتناصف في الانتدابات والتعيينات والمحافظة على التناصف الأفقي والعمودي في القانون الانتخابي لجميع الهيئات المنتخبة.

 كما إننا نرفض ان تكون النساء أكثر ضحايا للبنى التحتية المهترئة في عديد المجالات:

  •  تفاقم موت الأمهات عند الولادة وتراجع خدمات الصحة الإنجابية والجنسية
  •  تفاقم ظاهرة سرطان الثدي وخطورتها لانعدام آلات الكشف وطب الاختصاص في عديد الجهات 
  • الوضعية الكارثية للفضاءات الصحية في المدارس وعدم توفير الأدنى من الخدمات الخصوصية للمتعلمات

 

نحن في الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات على وعي بأن الطريق لا تزال طويلة وشاقة وتستوجب رص الصفوف وتعزيز المنظمات الناشطة في المجال النسوي عوض التهديد بحل الجمعيات أو الاستخفاف بنضالاتها التي انطلقت منذ عقود عديدة. فمسيرة النساء متواصلة من أجل المساواة التامة والفعلية ودفاعنا مستمر عن الحقوق كل الحقوق والكرامة الإنسانية للجميع دون تمييز وتمسكنا بالحريات كل الحريات العامة والفردية.

في هذا العيد الأممي النسوي لـ 8 مارس وقد دقت ساعة الخطر ونحن نشهد اقتصاد الحروب والتطبيع مع العنف بجميع اشكاله على المستوى العالم، نطلق صيحة غضب إزاء هذه الاختيارات والاصطفاف وراء ما تمليه أنظمة حكم البنوك وأجنداتها، وندعو كل نساء العالم للانتصار للسلم العادلة والمساواة التامة بالتصدي للحروب الامبريالية والتنديد بالعنصرية والتعامل بالمكيالين. فتضامننا مع الشعب الاوكراني لا يقل أهمية على تضامننا مع الشعب اليمني ومع قضية الشعب الفلسطيني العادلة وكل شعوب العالم ونسائه.

نحن على العهد من اجل عالم آخر ممكن، نحيي نضالات النساء في تونس وفي كل أصقاع العالم من أجل الحرية والانعتاق والقضاء على العنف والتمييز والتصدي لكل مظاهر الاستغلال والاضطهاد.

 

تعليق جديد

فريق التحرير




مقالات أخرى للكاتب

فريق التحرير