بأي حال عدت يا 14 جانفي؟


بيان الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات - نقف اليوم إجلالا لأرواح الشهيدات والشهداء ونعاهد مناضلاتنا وشريكاتنا وبنات شعبنا أن مسيرتنا مستمرة بنفس الإصرار والتحدي لدحض النظام الأبوي بمختلف أشكاله التسلطية والرجعية مهما كان مأتاها.

انخرطت الجمعية التونسية للنساء الدّيمقراطيات منذ تأسيسها في الحراك السياسي والاجتماعي، انطلاقا من مبادئها الثابتة و إيمانا منها أن لا حقوق للنساء إلا بضمان الحرّيات العامّة والفردية، وناضلت جنبا إلى جنب مع كلّ القوى التقدّمية من أجل تحقيق الديمقراطية وضمان مدنية الدولة ورفعت شعارها التاريخي: "لا ديمقراطية دون حقوق النساء والمساواة، ولا مواطنة حقيقية للنساء في غياب الحريات".

 تمر اليوم الذكرى الحادية عشرة لثورة الحرية والكرامة في سياق سياسي واقتصادي وصحي مأزوم أصبحت فيه بعض المكاسب الديمقراطية والدستورية والنسوية مهددة خلال مسار متعرج عرفت فيه حقوق النساء في المساواة بعض النجاحات والإخفاقات، منذ انطلاق المسار الثوري سنة 2008 مرورا بـ17 ديسمبر 2010 ليتوج يوم 14 جانفي 2011 بسقوط النظام التسلطي ثم ليتواصل طيلة العشرية الماضية. فقد فتحت الجمعية أبوابها واحتضنت الثائرين والثائرات، ورافقتهن في مطالبهنّ الشّرعية وشاركتهن حلم الثورة عبر التصدي لكل مظاهر الاضطهاد والتمييز والعنصرية والاستغلال كما رافقت النساء ضحايا العنف والتهميش والإقصاء وساندت عائلات الشهيدات والشهداء والجريحات والجرحى.

"حرّيات حرّيات ضدّ كلّ الرّجعيات"

لقد واجهت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات المدّ الرجعي بكل أشكاله طيلة عشرية كاملة وحققّت مع شركائها وشريكاتها مكاسب لعل أهمّها إقرار مبدأ المساواة بين الجنسين في الدستور ومبدأ التناصف في القانون الانتخابي إلى جانب ما بذلته من مجهودات التحسيس والمناصرة لصياغة القانون عدد 58-2017 الخاص بالتصدي للعنف المسلط على النساء والأطفال ومناهضة التمييز الجنسي و العنصري، ومازالت الجمعية تناضل من أجل تحقيق المساواة الكاملة في الميراث وتعديل مجلة الأحوال الشخصية في اتجاه رفع الوصاية الذكورية داخل العائلة وتحقيق المساواة الكاملة في كل الحقوق وكل الواجبات. وأمام مواصلة نفس السياسات التمييزية، تتواصل مسيرتنا من خلال حملات المناصرة والتعبئة لتطبيق الاتفاقيات الدولية الضامنة لحقوق النساء في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية مثل المساواة في الأجور والنقل الآمن لعاملات الفلاحة والعمل اللائق لعاملات المنازل إلى جانب حق النساء في ملكية الأرض والتقاسم العادل للثروات.

مساواة مساواة، للنساء والجهات

لم تنس الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات يوما معاناة نساء الجهات من شحّ المياه والوصول إلى أبسط الخدمات أمام تضاعف معدلات البطالة في صفوفهن وغياب الخطط التنموية الدامجة فعملت كذلك  على ضمان إطار قانوني يرفع عنهن المظالم والتمييز المجحف. واليوم تعلن حكومة الاستثناء سد الحق المتساوي في العمل أمام النساء بمرسوم حكومي أسقط المساواة وتكافؤ الفرص من شروط الانتداب في الوظيفة العمومية ومنع الزيادات في الأجور، ثم جاء قانون المالية 2022 مثقلا بالجباية والفوائض التي سيدفعها عموم التونسيون والتونسيات ليصبح تأنيث الفقر خطا ثابتا للسياسات العامة يزيد الفقراء والفقيرات فقرا ويكاد يعدم الطبقة الوسطى ويعطي للأغنياء وللفاسدين منهم متنفسا جديدا بالصلح الجزائي مقابل شركات "أهلية" مزعومة لن يكون للنساء حظا متساويا فيها ما لم يفردهن القانون بحق التناصف الذي نص عليه الدستور.

ثرنا سويا لنبني سويا

ولأننا نريد البناء سويا عبرت الجمعية عن الحق الدستوري في المشاركة لصياغة المصير المشترك وبادرت بمذكرة نسوية مع شريكاتها طالبت فيها بالمقاربة التشاركية والعدالة الاجتماعية والدفاع المستميت عن الحّريات والدّيمقراطية وركائز للدولة المدنية، غير أن الانفراد الاستثنائي بالسلطات التشريعية والتنفيذية لم يترك مجالا أمام المجتمع المدني لتحمل مسؤولياته للذود عن دولة القانون والمؤسسات وتقديم المقترحات والبدائل الكفيلة بتجاوز الأزمة.

"لن ننسى ولا نساوم بحقوقنا وبحرياتنا"

تحمل ذكرى 14 جانفي 2011 بالنسبة إلينا رمزية تاريخية بإسقاط النظام التسلطي وتمثل جزء لا يتجزأ من البرنامج السياسي والاقتصادي لثورة الحرية والكرامة كما صاغته الهبات الجماهيرية وشاركت فيه الحركة النسوية من مواقع نضالية متقدمة من أجل القطع مع الاستبداد والتسلط وإرساء دولة القانون والمساواة والحقوق دون تمييز استنادا لمنظومة حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها. تمر هذه الذكرى ونحن نواجه أزمات اقتصادية وصحية غير مسبوقة زادتها الأزمة السياسية تعقيدا على تعقيد من خلال ما لمسناه من تهديد جدي للحريات الفردية والعامة ومن تراجع مبيّت عن الحق الدستوري في التعبير والتظاهر وإقحام المؤسسة الأمنية في الصراع السياسي.

إن مثل هذه الممارسات تجاه حق المواطنين والمواطنات في التظاهر السلمي والتعبير الحر والمعارضة السياسية والاعتداء على المتظاهرين، تذكرنا بممارسات المنظومة الاستبدادية وبمنظومة الإسلام السياسي التي فشلت أمام تمسك الحركات الشبابية والمجتمع المدني والقوى الحية بالمكاسب الديمقراطية والحقوقية. إن هذا الإصرار من قبل رئيس الدولة على الانفراد بالسلطة وإدارة المشهد السياسي بطريقة أحادية وبمقاربة أمنية، لا يهدد المكاسب الديمقراطية والمدنية فحسب بل يفتح الطريق أمام عودة منظومة الإسلام السياسي التي سبق وأن حسمت فيها الجماهير ولفظتها الحركات الديمقراطية والشبابية والنسوية، بل من شأنه أن يؤسس لتسلطية ناشئة.

 

تعليق جديد

فريق التحرير




مقالات أخرى للكاتب

فريق التحرير