بخصوص الثغرات الخطيرة الواردة بمرسوم الصلح الجزائي وتوظيف عائداته


بيان- في اطار تبييض الفساد والفاسدين وكل من اجرموا في حق الشعب والتفريط في موارده التي تم نهبها طيلة عشرات السنين واغراق البلد في المديونية وبالأخص الخارجية والدوس على احكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وبالأخص احكام الفصلين 3 و29 منها التي نصت بوضوح على ضرورة استرجاع العائدات الاجرامية والتنصيص على فترة تقادم أطول خاصة في حال افلات الجاني المزعوم من يد العدالة، رفض كل من مسكوا السلطة بعد 14 جانفي 2011 التنصيص صلب مجلة الإجراءات الجزائية على عدم سقوط الدعاوي بمرور الزمن عندما يتعلق الامر بجرائم لها علاقة بالمال العام والرشوة والكسب غير المشروع وتبييض الأموال.

فقد حرصوا على التنصيص صلب الفصل 23 من دستور 2014 على عدم سقوط جريمة التعذيب بمرور الزمن في حين انهم تصدوا لمقترحنا المتعلق بعدم تقادم الجرائم المشار اليها أعلاه رغم ان تبعاتها اخطر بكثير من جريمة التعذيب.
فجرائم الفساد تلحق اضرارا جسيمة بشعب بأكمله لا يمكن تدارك تبعاتها في بعض الأحيان وقد تؤدي الى انهيار الدولة وحتى اندلاع حرب أهلية في حين ان جريمة التعذيب تلحق ضررا بعدد محدود من الافراد. الجريمة الكبرى انه تم سن قوانين فاسدة وغير متلائمة مع المعايير الدولية الواردة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وإعلان مبادئ العدل الأساسية المتعلقة بضحايا الجريمة والتعسف في استعمال السلطة تحت عنوان العدالة الانتقالية وحق النفاذ الى المعلومة والحوكمة ومكافحة الفساد وتبييض الأموال وحماية المبلغين عنه والتصريح بالمكاسب والمصالح وذلك بغاية تضليل الراي العام المحلي والدولي وتبييض الفساد والفاسدين وكل من اجرموا في حق الشعب. فقد تم تبييض جرائم تبييض الأموال من خلال التضييق في مجال الجرائم الاصلية بالفصل 92 من قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال الذي جاء مخالفا للمعايير الدولية الموضوعة من قبل مجموعة العمل المالي ومنظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي وحتى التحوير الذي بعثت به الحكومة خلال سنة 2018 بغاية ملاءمته مع المعايير الدولية حتى يشمل كل الجنح كجرائم اصلية اسقط بالبرلمان في شهر جانفي 2019.

من لا يعرف انه تم تعطيل الفرع الثاني من مرسوم المصادرة بصفة متعمدة ومنظمة من قبل كل الحكومات المتعاقبة ولم يتم اصدار مئات قرارات المصادرة بخصوص مئات الملفات التي اعدها القاضي نجيب هنان في اطار الفرع الثاني من مرسوم المصادرة.

كما لم يتم تفعيل المعاهدات الدولية لقلب عبا الإثبات بغاية استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج. ايضا، تم التنكيل بالمبلغين عن الفساد وتعذيبهم وتجويعهم والاعتداء عليهم بالعنف الشديد الذي أدى في بعض الأحيان الى الموت وذلك في دوس على الفصل 33 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. أيضا، تم التصدي لمقترحنا المنادي بضرورة تحوير القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح لكي ينص على إمكانية مساءلة أي مواطن بخصوص مصدر ثروته وذلك في دوس على الفصول 3 و12 و21 من اتفاقية الام المتحدة لمكافحة الفساد الذي يلزم الدولة التونسية بضرورة تجريم الفساد والرشوة في القطاع الخاص. كما تم التصدي لمقترحنا المنادي بالتنصيص صلب المنظومة التشريعية على عدم سقوط حقوق الدولة بمرور الزمن.

الاغرب من ذلك انه تم العبث بالمال العام في اطار مسرحية العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والاجرام في حق الشعب والافلات من العقاب. وفي اطار تجسيم وعد رئيس الجمهورية باسترجاع أموال الشعب التي تم نهبها، صدر المرسوم عدد 13 لسنة 2022 المتعلق بالصلح الجزائي وتوظيف عائداته. ذاك المرسوم تضمن تناقضا صارخا حين نص على انه يشمل جرائم الفساد المرتكبة قبل 2011 في حين انه ابقى على اجال سقوط الدعاوي بمرور الزمن التي لا تتجاوز 3 سنوات بالنسبة للجنح و10 سنوات بالنسبة للجنايات باستثناء الجرائم المتواصلة في الزمن وذلك في دوس على الفصلين 3 و29 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. كما انه لم يتطرق الى الجرائم التي تم تبييضها وعقارات الدولة التي تم تملكها بمقتضى احكام قضائية.

الاغرب من ذلك ان يطل علينا البعض من اهل القانون ليؤكدوا لنا ان مدة عمل اللجنة الوطنية المكلفة بالصلح الجزائي لا تتجاوز سنة في حين ان الفصل 8 من مرسوم الصلح الجزائي نص بوضوح على مدة العضوية بها لا غير . فهل يمكن معالجة عشرات الاف ملفات الفساد المتعلقة بالحزب المنحل والخوصصة والديون البنكية المنهوبة واسقاط الديون العمومية والصلح الديواني والتقارير الرقابية التي تتضمن الاف الجنايات ونهب المقاطع والصفقات العمومية والرخص الفاسدة والأموال المهربة الى الخارج والتهرب الجبائي واللزمات المشبوهة والمكاسب غير المشروعة والرشوة والامتيازات المالية والجبائية المنهوبة والأراضي الغابية والعقارات التي تم تملكها بمقتضى احكام قضائية والاملاك المصادرة والأراضي والعقارات التي منحها بن علي للمناشدين وفي اطار رشوة لأخرى و... في اجل سنة؟ كان من المفروض، قبل صياغة المرسوم، قراءة كل التقارير الرقابية الصادرة عن هيئات الرقابة العمومية ودائرة المحاسبات والتفقديات العامة والتفقديات التابعة لبعض الإدارات العامة والمؤسسات العمومية والاحكام القضائية الصادرة في بعض ملفات الفساد لمعرفة كل مظاهر الفساد والافلات من العقاب.

كما كان من المفروض أن ينص المرسوم على إمكانية التبليغ عن ملفات فساد لدى اللجنة وكذلك على الإجراءات الواجب اتخاذها عند عدم ابرام الصلح بغاية استرجاع العائدات الاجرامية. ان استرجاع موارد الشعب المنهوبة والعائدات الاجرامية طبقا لأحكام الفصلين 3 و29 من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد يقتضي ادخال تحويرات على مرسوم الصلح الجزائي والفصل 92 من قانون مكافحة الارهاب وتبييض الأموال لكي يشمل كل الجنح كجرائم اصلية والقانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح لكي ينص على إمكانية مساءلة أي مواطن بخصوص مصدر ثروته ومجلة الإجراءات الجزائية لكي تنص على عدم سقوط جرائم الفساد في حق المال العام بمرور الزمن.

كما يجب احداث مؤسسة عمومية للتصرف في العائدات الاجرامية والاملاك المصادرة التي تقدر قيمتها بمئات مليارات الدينارات وتفعيل أحكام اتفاقية المساعدة الإدارية المتبادلة الموضوعة من قبل منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي وكذلك اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لقلب عبا الإثبات بغاية استرجاع الأموال المهربة إلى الخارج.

 

تعليق جديد

فريق التحرير




مقالات أخرى للكاتب

فريق التحرير