حكومة الرئيس تريد تمليك الأجانب وتفتح باب الفساد على مصرعيه


تحصّلت منظّمة أنا يقظ على نسخة مسرّبة من مشروع مرسوم "يتعلّق بضبط أحكام خاصّة للتسريع في إنجاز المشاريع العموميّة ودفع مشاريع القطاع الخاص" مع بيان شرح الأسباب. وحيث عقدت حكومة الرئيس البارحة بتاريخ 07 جوان 2022 اجتماعا وزاريا حول إصلاحات مناخ الأعمال وتنشيط الاقتصاد، فإنّه يهمنا أن نشير إلى الآتي:

  • أوّلا: يفتح مشروع المرسوم المراد اصداره من قبل حكومة الرئيس باب تمليك الأجانب على مصرعيه، حيث ينص في الفصل 29 منه على كونه "بصرف النظر عن الأحكام المخالفة، يمكن للمستثمرين ذوي الجنسيّة الأجنبيّة اقتناء المساكن الّتي تفوق كلفتها مبلغا يتم تحديده وفق شروط يتم ضبطها بمقتضى أمر رئاسي" ونذكّر أن الباعثين العقاريين لطالما سعوا إلى تقنين تمليك الأجانب وأنّ حكومة هشام المشيشي تبنت الفكرة لكنها لم تتحقق نظرا لإقالتها من قبل الرئيس، وتشير منظمة أنا يقظ إلى التبعات الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة الّتي يمكن أن تنجر عن مثل هذه الإجراءات في غياب الضمانات القانونيّة والحمائيّة الكافية، من ذلك ما حدث في دولة لبنان وهو ما يعرف بفقاعة الإسكان Housing bubble حيث أن المواطنين التونسيين لن يصبحوا قادرين على اقتناء مساكن بسبب الاختلال والغلاء الّذي سيتسبب فيه الأجانب أصحاب الدخل المرتفع في سوق العقارات والّتي تليها بالضرورة فترة ركود تضر بالاقتصاد. فهل تريد الحكومة من خلال هذا الإجراء مجازاة اتحاد الأعراف على مشاركته في الحوار الوطني؟ خاصة وأن قيمة ديون الباعثين العقاريين بلغت حوالي 6 مليار دينار، وأن "عشرات آلاف الشقق الجاهزة من دون مشترين" حسب تصريح رئيس غرفة الباعثين العقاريين فهمي شعبان. ألم يكن من باب أولى أن تنظر الحكومة إلى الحلول التي من شأنها تمليك التونسيين وخاصة الشباب الباحثين عن مسكن؟
  • ثانيا: أحدث مشروع المرسوم برنامج "الإقامة مقابل الاستثمار" Residency-by-investment وهو أن تقوم الدولة، حسب نص مشروع المرسوم، بمنح إقامة لمدّة 5 أو 10 سنوات للمستثمرين الأجانب مقابل استثماراتهم في تونس. وهي سياسة اقتصادية عالية المخاطر إذ يحذر صندوق النقد الدولي من أن التدفقات الداخلة في إطار برامج الإقامة/ الجنسيّة بالاستثمار نظرا لكونها متقلبة وعرضة لمخاطر التوقف المفاجئ، والتي يمكن أن تكون ضارة بشكل خاص في الاقتصادات الصغيرة حسب ما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي لسنة 2015، كما حذرت مفوضية الإتحاد الأوروبي في شهر مارس الفارط من المخاطر الأمنية لبرامج الإقامة مقابل الاستثمار خاصة في ظل الصراع الروسي الأوكراني ألقائم؛ كما تشير منظّمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE في تقريرها حول مخاطر الفساد المتعلّقة ببرامج الإقامة / الجنسيّة مقابل الاستثمار إلى كونه في غياب الضمانات القانونيّة الكافية فإنّ مثل هذه البرامج الاقتصادية يعزز الفساد والجرائم الماليّة ويخلق أرضيّة للرشوة وغسل الأموال والتهرب الضريبي، ونذكر أن المملكة المتحدة قد أوقفت العمل بنظام الإقامة مقابل الاستثمار في ديسمبر 2018 لتحد من مخاطر غسل الأموال والجريمة المنظمة، كما أنّ دول مثل البرتغال واليونان واجهت مثل هذه المخاطر حسب التقرير؛
  • ثالثا: يحدّ مشروع المرسوم المزمع عرضه على رئيس الجمهوريّة من التنافسيّة ويقصي المؤسسات الوطنيّة خاصّة الصغرى والمتوسطة من مجال الصفقات العموميّة إذ سيتم اعتماد "صيغة المفتاح في اليد" الّتي تعتمد على اعطاء المشاريع على شكل صفقة واحدة تشمل التصوّر والدراسة وتنفيذ الأشغال وتوفير المعدات من قبل جهة واحدة. وهو ما ينجر عنه تضخم لكلفة المشاريع كما أنّه في تعارض مع فحوى الأمر عدد 1039 لسنة 2014 المنظّم للصفقات العموميّة وتحديدا الفصل 16 منه الّذي ينص على أنّه " يتعيّن على المشتري العمومي أثناء إعداد كراسات الشروط مراعاة قدرات المقاولين والمنتجين ومسدي الخدمات ومكاتب الدراسات الوطنية وأهداف التنمية المستدامة. ويكون توزيع الطلبات إلى أقساط وجوبيا، كلما تبين أن ذلك التوزيع يساعد على مشاركة المؤسسات الوطنية أو يوفر فوائد مالية أو فنية أو اجتماعية، وتضبط كراسات الشروط طبيعة كل قسط وحجمه"؛
  • رابعاً: تعتزم حكومة الرئيس من خلال برنامجها لتنشيط الاقتصاد إلغاء الرقابة المسبقة لهياكل الرقابة ولجان مراقبة الصفقات العموميّة في المشاريع الممولة من قبل هيئات التمويل الأجنبيّة، الأمر الّذي يشكل خطرا على شفافيّة ونزاهة الصفقات العموميّة، بل ويجعل "رأي الممول" أهم وأعلى سلطة من رأي المصالح الرقابيّة للدولة، كما يتعبر إقصاء ممنهجا لمصالح الهيئة العليا للطلب العمومي الّتي تصدّت لعديد الصفقات المشبوهة ذات التمويل الأجنبي حيث ستقوم منظّمة أنا يقظ بنشر تحقيق بهذا الصدد في قادم الأيام؛
  • ختـــــــــــاما، ادعت رئيسة الحكومة نجلاء بودن أنّ حكومتها ستعمل على تحسين المقدرة الشرائيّة للتونسيين ورفع رئيس الجمهوريّة شعار مكافحة الفساد كسابقيه لحشد الصفوف الموالية له إلاّ أننا سمعنا الجعجعة ورأينا عكس ما يدعون فسياسات الدولة لم تتغيّر، بل إنّها صارت تتحرك أسرع فأسرع نحو التفقير والتشجيع على الفساد. كما تحمل منظمة أنا يقظ رئيس الجمهورية مسؤولية المخاطر المنجرة عن مثل هذه الإجراءات ومنها تعميق الفوارق الاجتماعية وضرب المقدرة الشرائية للمواطنين وفتح أبواب الفساد على مصرعيها، على اعتبار أنه يتولى "تمثيل الدولة ويضبط سياستها العامة واختياراتها الأساسية" حسب الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 والمتعلق بالتدابير الاستثنائية
 

تعليق جديد

فريق التحرير




مقالات أخرى للكاتب

فريق التحرير