سؤال الأسبوع: ما هي الأخلاقيات التي يجب على الصحفي العلمي الالتزام بها عند التعامل مع مصادر علمية أو نشر نتائج أبحاث جديدة؟


يعتبر الصحفي العلمي جسرًا بين المجتمع العلمي من باحثين وأستاذة وخبراء، والجمهور العامّ الذي ليس من الضروري أن يكون له أدنى معرفة بأيّ موضوع علمي. ممّا يجعله مسؤولاً عن تقديم الحقائق العلميّة بطريقة دقيقة وأخلاقية. ويتفق الزملاء الصحفيون مثل روناء المصري وسعيد الحبيب وآية حامد على ضرورة الالتزام بمجموعة من المبادئ الأخلاقية لضمان تحقيق التوازن بين نقل المعرفة والحفاظ على مصداقية المصادر العلمية.

أولا يجب أن يحرص الصحفي العلمي على التأكد من صحة ودقة المعلومات قبل نشرها. يجب على الصحفي العلمي أن يجعل الدقة أولوية مطلقة قبل نشر أي معلومة، خاصة أن القراء يعتمدون عليه لفهم المواضيع العلمية المعقدة. من خلال التحقق العميق، يمكن للصحفي تقديم صورة واضحة دون مبالغة أو تقليل من الأهمية. على سبيل المثال، عند تناول دراسة حول لقاح جديد، من الضروري أن يُظهر الصحفي النتائج الإيجابية والمخاطر المحتملة بشفافية. في أزمة COVID-19 عام 2020، انتقدت وسائل الإعلام لنشرها تقارير مبكرة عن علاجات مزعومة دون التأكد من صحة الدراسات، مما أدى إلى ارتباك واسع النطاق بين الجمهور. تكرار هذا الخطأ يقلل من مصداقية الإعلام ويضر بالثقة العامة.

ثانيا، يجب على الصحفي التحقق من مصداقية المصادر العلمية التي يعتمد عليها. التعامل مع مصادر موثوقة هو حجر الزاوية في العمل الصحفي العلمي، ما يعني أن الصحفي يجب أن يتحقق من مصداقية المجلات التي تنشر الدراسات وخلفيات العلماء المشاركين فيها. على سبيل المثال، إذا واجه الصحفي عالمًا يدعي تقديم علاج نهائي لمرض السرطان، يجب عليه التأكد من أن أبحاثه منشورة في مجلات علمية محكمة وخضعت لمراجعة الأقران. فالحوادث السابقة، مثل الجدل حول العلاقة بين اللقاحات والتوحد عام 2011، توضح خطورة الاعتماد على مصادر غير دقيقة. مثل هذه الأخطاء قد تسهم في نشر الذعر والشكوك بين الجمهور بدلاً من تقديم فهم علمي دقيق.

ثالثا، ينبغي على الصحفي العلمي احترام حقوق الملكية الفكرية للأبحاث العلمية، إذ يُمنع نسخ أو نقل نصوص كاملة من أوراق بحثية دون إذن مسبق أو ذكر المصادر بشكل واضح. نقل النصوص أو الاقتباسات دون الإشارة إلى أصحابها ليس فقط عملًا غير أخلاقي، بل قد يؤدي إلى مشكلات قانونية ويضر بسمعة الصحفي. عند كتابة تقرير حول دراسة ما، يجب ذكر اسم الباحث أو المؤسسة العلمية بشكل واضح ودقيق، مع الحصول على إذن عند الضرورة. هذا الالتزام لا يعزز المصداقية فحسب، بل يسهم في بناء علاقات إيجابية مع المجتمع العلمي، وهو أمر حيوي لدعم الصحافة العلمية المستدامة.

رابعا، يجب أن يحافظ الصحفي على الحياد في تغطيته للقضايا العلمية، خاصة عندما تكون هناك آراء متضاربة لباحثين مختلفين. على سبيل المثال، عند تغطية موضوع مثل الهندسة الوراثية، ينبغي أن يُظهر الصحفي الآراء المؤيدة والمعارضة مع تقديم الأدلة العلمية الداعمة لكل منهما، بدلاً من الانحياز لطرف معين. فالصحفي العلمي غير مطالب بتقديم رأي بقدر ما هو مطالب بذكر المصادر، والتي يجب أن تكون لباحثين في مجال التخصص المذكور. فالدقة العلمية ضرورية.

بدلاً من تبني رأي معين، يجب على الصحفي أن يعرض الآراء المختلفة بشكل متوازن ويقدم الأدلة العلمية الداعمة لكل وجهة نظر.أيضا، عند تغطية الجدل حول الكائنات المعدلة وراثيًا، يُفضل أن يوضح الصحفي فوائد هذه التقنية، مثل تحسين الإنتاج الزراعي، بجانب المخاوف المتعلقة بالبيئة والصحة. الحياد لا يعني الغموض أو التهرب، بل تقديم سياق علمي متكامل يدعم الفهم المتزن للقضية.

خامسا، من الضروري أن يتجنب الصحفي العلمي الإثارة والتضليل حيث غالبًا ما يغري العناوين المثيرة الصحفيين لجذب انتباه الجمهور، لكنها قد تؤدي إلى سوء فهم للقضايا العلمية. على سبيل المثال، عند تغطية دراسة تربط بين نوع معين من الأطعمة وخطر الإصابة بالسرطان، يجب على الصحفي تقديم تفاصيل دقيقة حول حجم العينة، ومنهجية الدراسة، ودرجة الخطر بدلاً من استخدام عناوين مثيرة مثل "هذا الطعام يسبب السرطان". أو عند نشر دراسة حول أزمة المياه في منطقة معينة، يجب أن يراعي الصحفي عدم إثارة الذعر أو نشر معلومات قد تؤدي إلى سلوكيات غير مسؤولة. في عام 2022، أثارت تقارير إعلامية حول نقص المياه في بعض الدول الإفريقية قلقًا مفرطًا بسبب استخدام لغة عاطفية دون تقديم حلول. على للصحفي أن يأخذ في الاعتبار تأثير المعلومات التي ينشرها على المجتمع.

سادسا ،
يجب على الصحفي متابعة الأبحاث الجديدة وتحديث التقارير السابقة إذا لزم الأمر. على سبيل المثال، إذا ثبت لاحقًا أن دراسة علمية نشرت نتائج غير دقيقة، يجب أن يُعلم الصحفي جمهوره بذلك لتجنب نشر معلومات مضللة.  فالعلوم مجال ديناميكي يتطور باستمرار، وقد تُثبت الأبحاث الجديدة عدم دقة أو محدودية النتائج السابقة. لذلك، يجب أن يتبنى الصحفي نهجًا استباقيًا في مراجعة وتحديث تقاريره السابقة لضمان أن يظل الجمهور على اطلاع بالمعلومات الأكثر دقة. على سبيل المثال، إذا غطى الصحفي دراسة تُظهر فعالية دواء جديد لعلاج مرض معين، ثم ظهرت لاحقًا أبحاث أخرى تشير إلى وجود آثار جانبية خطيرة أو ضعف في فعالية الدواء، فإن من واجبه العودة إلى الموضوع وتقديم تحديث للجمهور. يمكن أن يكون ذلك من خلال مقال جديد يوضح التغييرات أو حتى تعديل المقال الأصلي بإضافة ملاحظات تُبين التحديثات.

سابعا، تعتبر الشفافية ضرورية لتعزيز الثقة بين الصحفي والجمهور.إذا كان الصحفي يتلقى تمويلاً أو دعمًا من جهة معينة لتغطية بحث علمي، فإن الإفصاح عن ذلك ليس خيارًا، بل ضرورة. على سبيل المثال، عند إعداد تقرير عن مشروع علمي تموله شركة أدوية، يجب أن يوضح الصحفي طبيعة التمويل ويشير إلى علاقته بالشركة دون أن يؤثر ذلك على موضوعيته أو دقة تغطيته. هذا لا يعني التشكيك بالبحث أو المشروع، لكنه يمنح الجمهور القدرة على تقييم المحتوى بشكل أفضل وفهم السياق الذي أُنتج فيه. الشفافية تمتد أيضًا إلى التوضيح حول حدود المعرفة العلمية. على سبيل المثال، إذا كانت الدراسة التي يغطيها الصحفي لا تزال في مراحلها الأولى أو تعتمد على تجارب صغيرة الحجم، يجب عليه أن يوضح ذلك بجلاء للجمهور لتجنب إساءة الفهم أو الإفراط في التوقعات. في عام 2020، اضطرت بعض الوسائل الإعلامية إلى الاعتذار علنًا عندما نشرت معلومات مبالغ فيها حول فعالية علاجات معينة لفيروس COVID-19، وهو ما أدى إلى ارتباك بين الناس. الصحفيون الذين تعاملوا بشفافية مع هذا الخطأ عبر الإفصاح عن المصادر ونقاط الضعف في التقارير السابقة نجحوا في استعادة ثقة جمهورهم.

ولا ننسى أن نذكر أن على الصحفي التدقيق في الترجمة العلمية. عندما ينقل الصحفي أبحاثًا منشورة بلغات أخرى، يجب أن يكون دقيقًا في ترجمة المصطلحات لضمان عدم تشويه المعنى. على سبيل المثال، ترجمة مصطلح علمي بشكل خاطئ قد يغير فهم الجمهور للموضوع تمامًا. يُعد التدقيق في الترجمة العلمية جانبًا جوهريًا من عمل الصحفي العلمي، خاصة عند نقل أبحاث أو تقارير منشورة بلغات أخرى. فالعلم لغة عالمية، لكن ترجمة المصطلحات العلمية قد تكون معقدة نظرًا للفروق الدقيقة بين اللغات. أي خطأ في الترجمة، حتى وإن بدا بسيطًا، يمكن أن يؤدي إلى تشويه المعنى الأصلي، مما يُحدث ارتباكًا لدى الجمهور أو ينقل معلومات غير دقيقة. على سبيل المثال، عند ترجمة مصطلح علمي مثل “Statistical Significance”، فإن ترجمته بشكل غير دقيق إلى "الأهمية الإحصائية" دون الإشارة إلى المفهوم العلمي الخاص به قد يدفع القارئ لفهمه بشكل غير صحيح. قد يعتقد الجمهور أن المصطلح يشير إلى "أهمية كبيرة" في حين أن المصطلح يعني وجود نتيجة تعتمد على أسس إحصائية دقيقة، وليس بالضرورة ذات تأثير عملي كبير.  لهذا عليه التواصل مع الباحثين لإيجاد المصطلح المرادف الصحيح أو استشارة الخبراء والزملاء أو مراجعة القواميس العلمية الموثوقة حتى لا يقع في الخطأ.

يتفق الجميع على أن الصحفي العلمي يشكل حلقة الوصل بين المجتمع والعلم، مما يجعله مسؤولاً عن ترجمة القضايا العلمية المعقدة إلى محتوى مفهوم ومؤثر. هذا الدور الحيوي يتطلب منه الالتزام بمعايير أخلاقية عالية، تشمل الدقة في نقل المعلومات، التوازن في عرض الآراء، احترام خصوصية المصادر، والشفافية في التعامل مع التمويل والعلاقات المهنية. عندما يلتزم الصحفي بهذه القيم، فإنه لا يساهم فقط في نشر المعرفة، بل يلعب دورًا أساسيًا في بناء جسور الثقة بين المجتمع العلمي والجمهور العام. هذه الثقة هي أساس الحوار البناء الذي يعزز الوعي العلمي ويشجع على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن القضايا الكبرى مثل الصحة العامة، التغير المناخي، والابتكارات التكنولوجية.

إن الصحفي العلمي، من خلال التزامه بالأخلاقيات المهنية، يصبح جزءًا من الجهود العالمية لتعزيز الفهم العلمي، ويدفع بعجلة التقدم الاجتماعي والاقتصادي إلى الأمام. وفي زمن تتزايد فيه المعلومات المضللة، تبرز أهمية هذا الدور أكثر من أي وقت مضى، حيث يكون الصحفي العلمي بمثابة مرشد موثوق للجماهير نحو الحقيقة والمعرفة الدقيقة.




تعليق جديد

الصحفيين العلميين في الشرق الأوسط وشمال افريقيا




الصحفيين العلميين في الشرق الأوسط وشمال افريقيا