فاصل قانوني: أي نظام سياسي نريد بتونس؟ 



بغض النظر عن ما ستكشف عنه مسودة الدستور التي اعدته اللجنة الاستشارية من اجل جمهورية جديدة والتي يترأسها العميد الاستاذ الصادق بلعيد، نوضح لكم في هذا المقال النظم السياسية المبنية على مبدأ الفصل بين السلط من خلال تقديم الانظمة السياسية الممكنة بتونس: نظام برلماني أو رئاسي أو مختلط.

النظام البرلماني 

يعدّ النظام البرلماني أقدم النظم السياسيّة القائمة على مبدأ الفصل بين السلط، حيث يعتمد على الفصل المرن بين السلط السياسيّة أي أن كل من السلطة التنفيذيّة والسلطة التشريعيّة تتعاون في ما بينها وتتداخل، حيث أن السلطة التنفيذيّة تتكون من رئيسن: رئيس الدولة الذي يمكن ان يكون ملكا والذي يكون منصبه وراثيا أو رئيس الجمهوريّة الذي يتم انتخابه وتعيينه من قبل البرلمان الممثل للسلطة للتشريعيّة. هذا البرلمان يمنح بدوره الثقة الى الحكومة المنبثقة عن الحزب أو الإئتلاف الفائز في الانتخابات، إذ حسب العرف الدستوري في بريطانيا، يعيّن رئيس الحزب الفائز في الإنتخابات التشريعيّة آليا رئيسا للحكومة. كما أن الحكومة في النظام البرلماني هي المسؤولة عن تنفيذ السياسات العامة للدولة وأن "الملك يسود ولا يحكم".

اما عن السلطة التشريعيّة، فإلى جانب انبثاق الحكومة عنها فإنها تحضى بصلاحيات تشريعيّة واسعة وتمتلك وسائل رقابيّة على الحكومة تصل الى حد سحب الثقة منها وبالتالي اقالتها. وفي المقابل، تمتلك السلطة التنفيذيّة آلية حل البرلمان وفق وضعيّات معيّنة تختلف من دولة الى اخرى تطبّق هذا النظام. الذي وإن يقر الفصل المرن بين السلط والتداخل بينهما، انما يضع بيد كل سلطة آلية لتحدّ من نفوذ السلطة الأخرى. 

ويبقى هذا النظام رهين نظام اقتراع الذي سيتم اعتماده حيث يرى بعض فقهاء القانون الدستوري أن نجاح النظام البرلماني يفترض نظام اقتراع أغلبي يوفر جهة معارضة وأخرى حاكمة وذلك ضمانا للإستقرار الحكومي الذي لم تعرفه الجمهوريّة الإيطاليّة مثلا الا بتعديلات على نظامها الإنتخابي. ورغم ظهور هذا النظام في بريطانيا الا أنه انتشر في عديد من الدول الغربيّة منها والعربيّة ولقي نجاحا نسبيا في تطبيقه على عكس النظام الرئاسي الذي ولد من رحم التجربة الأمريكيّة وبقي نموذجا خاصا بها وأن كل محاولات تطبيقه في دول أخرى كتونس، عرفت تحويرا في مقوّماته. 

النظام الرئاسي

يقوم النظام الرئاسي على الفصل الجامد بين السلط، اي ان كل من السلطة السياسيّة التنفيذية والتشريعيّة مستقلة عن الأخرى، بحيث لا يوجد تعاون بينهما ولا تتدخل أي جهة في الأخرى ولو نسبيا. وعلى عكس ما يروّج له من قبل المواطنين بأنه لا وجود لبرلمان في ظل النظام الرئاسي، فإن ذلك ممكن. اذ أنّه يحضى بجملة من المهام أبرزها المهام التشريعيّة المنوطة بعدته حصرا ودون سواه، ومن ذلك  قانون الميزانيّة التي يعدّها ويصادق عليها.

اما السلطة التنفيذيّة فتكون بيد رئيس الجمهوريّة الذي له كامل الصلاحيات في اختيار الوزراء وتعيينهم، وعزلهم متى رأى ذلك ضرورة. وبالتالي هو المسؤول عن تنفيذ السياسات العامّة للدولة. وكلا السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة فانهما يحضيان بشرعيّة انتخابيّة من قبل عموم الناخبين والناخبات. والقول انهما سلطتان منفصلتان عن بعض، لا ينفي مراقبة كل سلطة للأخرى، حيث أن رئيس الجمهوريّة بإمكانه توجيه العمل التشريعي بتقديم مقترحات عبر نواب ينتمون الى حزبه، وكذلك استعمال حق الفيتو اي الاعتراض على مشاريع القوانين. 

في المقابل، يمكن للسلطة التشريعية ان تحدث لجان تحقيق وتقصي لبعض المسائل. وفي أقصى الحالات يمكن لها  مقاضاة رئيس الجمهوريّة وعزله من أجل اخلاله بواجباته والخيانة العظمى، وتهم تتعلق بالشرف كالرشوة. ويمكنها ايضا التدخّل في السياسة الخارجيّة وذلك عبر عدم ابرامها على شن حرب او طلب ايقافها. ويعد هذا استثناء لانفراد رئيس الجمهوريّة بكامل المهام التنفيذيّة.

ولئن يمنع هذا النظام تركز السلط بيد شخص واحد أو هيئة حاكمة فإنه لم ينجح إلا في الولايات المتحدة الأمريكيّة. وعرف تطبيقه في دول أخرى، انحرافات لمقوّمات هذا النظام. كما هو الحال في تونس وفق دستور غرة جوان 1959 وخاصة مع ما أحدث عليه من تعديلات حسب أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي. وأدى ذلك إلى تحول النظام الرئاسي الى رئاسوي في بعض تطبيقاته، وما آل اليه من تغوّل السلطة التتفيذيّة على باقي السلط، الى صراع افضى الخروج منها الى خلق نظام مزج بين النظامين الرئاسي والبرلماني.

النظام المختلط

يجمع النظام  المختلط بين النظام اللرئاسي والنظام البرلماني، إذ نجد به عناصر النظام الرئاسي كعمليّة انتخاب رئيس الدولة انتخابا حرا مباشرا من قبل عموم الناخبين والناخبات وإسناده بعض الصلاحيات الأدنى من صلاحيات نظيره في النظام الرئاسي وأعلى من الصلاحيات الممنوحة لنفس المؤسسة في النظام البرلماني.   وتختلف هذه الصلاحيات من دولة الى أخرى وفقا لخصوصيات الدساتير وطبيعة ذاك المجتمع. 

ونجد به عناصر النظام البرلماني، كمسؤولية الحكومة أمام البرلمان الذي يساهم في وضعها من خلال منحها الثقة ومراقبتها. ولئن كانت الحكومة هي حجر الزاوية في السلطة التنفيذيّة وانفراد رئيس الحكومة/ الوزير الأول بضبط السياسة العامة للدولة. فإن ذلك لا يلغي دور رئيس الجمهوريّة باعتباره جهة تحكيميّة في حال نشوب نزاع سياسي بين الحكومة والبرلمان.

كذلك يتمتّع رئيس الجمهوريّة بحق رد المشاريع القانونيّة وحل البرلمان اضافة الى مهامه الأخرى كالقيادة العامة للقوات المسلحة وضمان احترام الدستور وسير المؤسسات. ويعهد الى الطرف الثاني اضافة الى ضبط السياسة العامة، فإنه يستأثر بعملية تكوين الحكومة من اختيار وزراء واقالتهم وكذلك امكانية توجيه العمل البرلماني وذلك عبر الأغلبية البرلمانيّة التي يستند عليها.

وفي اطار التوازن بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعية فإن كل سلطة تراقب الأخرى. اذ سبق وذكرنا انّ السلطة التنفيذيّة يمكنها توجيه العمل البرلماني وحق حل البرلمان، فإن السلطة التشريعيّة لها بالمقابل امكانيّة احدث لجان تحقيق وطلب الإعلام حول مسائل معينة، كما يمكنها استجواب الوزراء ورئيسهم وفي أقصى الحالات يمكن للبرلمان أن يسحب الثقة من الحكومة عبر التصويت على لائحة لوم ضدها. 

وقد اعتبر مدير معهد تونس للسياسة أحمد إدريس  في مداخلة سابقة له بقناة التاسعة أن النظام المختلط هو أفضل النظم السياسيّة لدول تعيش تحولا ديمقراطيا.

ويذكر أن تونس سعت الى تطبيق هذا النظام في دستور 2014 الا انه لم يكن الا نظام هجينا غير متجانس حسب الأستاذ رافع بن عاشور.  ويعتبر هذا النظام هو ثاني النظم السياسية المطبقة في تونس ما بعد الاستقلال. 

 

 

 

تعليق جديد

مصطفى كريمي




مصطفى كريمي