الأزمة البيئية بتونس: الوضع في تدهور مستمر أمام عجز الدولة عن القيام بدورها


أصدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مؤخرا تقريره السنوي بعنوان "أي واقع بيئي في تونس اليوم؟ الحقوق البيئية بين الانتهاكات والنضالات اليومية". ويقدم هذا التقرير نتائج التجربة الميدانية في مناصرة الحركات البيئية بتونس والجهات.

وقد أكد هذا التقرير تعرض تونس إلى التهديد البيئي الثلاثي المتمثل في فقدان التنوع البيولوجي نتيجة انتشار ظاهرة الصيد العشوائي لأصناف حيوانية وبرية وبحرية مهددة بالانقراض وانتشار الحرائق المفتعلة بالغابات دون اعتبار للقيمة البيولوجية التي تمثلها هذه الثروة، واضطراب المناخ بسبب التغيرات المناخية وتأثيرها على الموارد الطبيعية في بلادنا وأهمها الماء، وكذلك تصاعد التلوث البيئي على خلفية تزايد مظاهر الاعتداء على المحيط عبر إلقاء النفايات المضرة بطريقة عشوائية، وانتشار المصبات غير المراقبة وتلويث المنشآت الصناعية للثروة البحرية ما يمس جانبين أساسيين وهما الصحة والبيئة.

وقد تألف هذا التقرير من أربع ورقات علمية من بينها دراسة لمنيار المجبري ورحاب مبروكي حول أزمة تونس البيئية. وهذا أبرز ما جاء فيها:

إشكالية النفايات في تونس

  • تخضع عملية التصرف في النفايات في تونس الى مجموعة من القوانين باعتبار أن الحق في بيئة سليمة هو حق دستوري. ورغم ذلك، فإن التعاطي المؤسساتي مع القضايا البيئية بشكل عام وملف النفايات بشكل خاص بقي منقوصا، نتيجة انعدام القدرة على وضع استراتيجيات عملية تراعي حقوق الإنسان وخاصة حق المواطنين في بيئة سليمة، وذلك عبر إتباع خيارات بيئية مغلوطة، حيث تغيب بشكل كلي خطط تثمين النفايات وإعادة رسكلتها، إضافة الى عدم إتباع أنشطة هادفة الى استخراج المواد القابلة إعادة الاستعمال من أجل استخدامها كمصدر للطاقة وأيضا غياب الحوافز للمؤسسات الصناعية وتشجيعها على الحد من إنتاج النفايات الضارة وصنع وتوزيع المنتجات التي  تخلف ضرارا كبيرة على البيئة، وكذلك ضعف تطبيق الرقابة على المصبات البلدية من أجل وضع حد لعمليات الحرق العشوائي بها والذي يتسبب فيا نتشار أمراض عدة.
  • يوجد في تونس 13 مصبا غير مراقبا أغلقت منها 04 مصبات بكل من منستير وجربة وعقارب وقرقنة من ولاية صفاقس بسبب الاحتجاجات الاجتماعية.

الصيد العشوائي وارتفاع حرائق الغابات

  • انتشرت ظاهرة الصيد العشوائي لعديد الأصناف الحيوانية المهددة بالانقراض في تونس، أو التي يخضع اصطيادها مواسم محددة من السلطات المختصة. وبينما يزداد هذا التهديد البيئي أكثر الثروات أهمية بالبلاد وتزداد معها الخروقات العام تلو الأخر سواء من تونسيين أو أجانب، تقف السلطات التونسية عاجزة عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات من أجل وضع حد لهذا الإجرام المرتكب في حق الطبيعة، بل وتعمد في بعض الأحيان إلى تسهيل ارتكاب هذه الجرائم عبر منح تراخيص أثرياء الخليج الذين يحلون بالبلاد كل سنة ممارسة الصيد الجائر على مرأى ومسمع من الهياكل المكلفة قانونيا بحماية هذه الثروة والمحافظة عليها من الاعتداءات.
  • رغم تضافر جهود أغلب البلدان من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي في العالم، الا أن ممارسة الصيد في غير المواسم القانونية يتواصل في محمية عرباطة بولاية قفصه. وتعتبر المحمية الطبيعية بعرباطة مأوى لغزال الدركاس ونعام شمال افريقيا. وهما نوعان مهددان بالانقراض ليس فقط بتونس وإنما على امتداد المنطقة الصحراوية والساحلية من القارة الإفريقية.
  • تعرضت محمية جبل الزغدود من معتمدية الوسلاتية التابعة لولاية القيروان يوم 23جويلية 2021 الى الحرق من طرف مجهولين، ويقدر عدد الحرائق بـ 72 حريق امتدت الحرائق الى أكثر من 800 هكتار من جملة 1792 هكتار بجبل الزغدود.
  • نشبت حرائق في ولايتي القصرين وبنزرت أثناء شهر أوت 2021 لتلتهم حوالي 1100 هكتار من الأشجار وتتسبب في انفجار 22 لغم دون وقوع خسائر بشرية. كما اجتاحت الحرائق أعشاش النحل والسلاحف والعديد من الحشرات الصغيرة وأشجار الصنوبر الحلبي والإكليل والعرعار والحلفاء. وهوما من شأنه أن يضعف توازن التنوع البيولوجي، حيث يخلف هذا النوع من الحرائق تأثيرات مدمرة بشكل عام في المناطق الريفية والحضرية، بسبب سرعة انتشارها على مسافات واسعة وقضائها على النبات والحيوان على حد السواء.

التلوث البحري

  • يمتد الشريط الساحلي على طول 1300 كلم، ويعاني من عدة ملوثات، فخلال صائفة 2021 منعت السباحة في 17 شاطئا موزعا على 6 ولايات بحسب مصالح وزارة الصحة المختصة التي تدير شبكة وطنية لمراقبة مياه الشواطئ والتي تشمل 537 نقطة مراقبة قارة موزعة على كامل الشريط الساحلي، وبالاعتماد على نتائج تحاليل 13 مخبرا. وكان المنع نتيجة لتلوث الشواطئ، حيث توجهت جميع الاتهامات للمراقبة الجرثومية إلى الديوان الوطني للتطهير الذي تأسس سنة 1974 والذي يعنى بالتصرف في قطاع التطهير والذي يعتبر المتدخل الرئيسي في ميدان حماية المحيط املائي ومقاومة مصادر التلوث. إلا انه أصبح المسؤول الرئيسي على تلوث الشواطئ التونسية وذلك بسبب سكب مياه الصرف الصحي دون معالجة في البحر ومجاري الأودية.
  • يمثل الجمع الكيمائي الذي تم إنشاؤه سنة 1972 في منطقة شط السالم على بعد حوالي 4 كلم عن مركز المدينة خطرا يهدد حياة أهالي المدينة. ويقوم المجمع الكيميائي بسكب كميات هامة من مادة الفسفوري التي تصل إلى حدود 15 ألف طن في السنة، وهي مادة كيميائية سامة ناتجة عن تحويل الفسفاط الطبيعي لإنتاج الحامض الفوسفوري. ويحتوي الفسفوري على معادن ثقيلة ومواد إشعاعية عديدة نذكر منها السترونشيوم، الكادميوم، الرصاص، النيكل واليورانيوم وغيرها ويصنف حسب القوانين التونسية ضمن النفايات الخطرة. وتتسبب هذه المواد في عدة أضرار منها قتل الكائنات الحية البحرية النباتية والحيوانية وتصحر البحر وتقلص التنوع البيولوجي.
  • أطلقت سنة 2017 حملة البحار النظيفة والتي تضم 63 بلدا وتهدف في الحد من استخدام المواد البلاستيكية غير الضرورية والتخلص التدريجي من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة المضافة بصورة متعمدة، غير أن تونس لم تنضم إليها وكأن التلوث البلاستيكي للشواطئ أمر ثانوي.

العجز المائي واحتياجات المواطن التونسي

  • كانت الأزمة الصحية كوفيد 19 سببا لفضح بعض السياسات  المعتمدة من قبل الدولة حيث كشف هذا الوباء الذي يتطلب بروتوكولا صحيا خاصا وغسلا متواصلا لليدين ونظافة دائمة، عن اللامساواة في التمتع بالماء بين مناطق البلاد التونسية، حتى انه لا يوجد ماء في عدد من المؤسسات التربوية ومراكز الصحة الأساسية خاصة في المناطق الداخلية. وحسب تصريح وزير التربية فتحي الوسلاتي، فإن 1415 مدرسة ابتدائية غير مرتبطة بالشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وأغلبها مرتبطة بالجمعيات المائية التي بدورها تشكو عدة إشكاليات من أهمها المديونية لصالح الشركة التونسية للكهرباء والغاز.
  • إن الاستثمار في تونس قائم على استنزاف الماء حيث تستهلك الفلاحة وحدها 70% من موارد مائية. كما أن قطاع الصناعة يستهلك كميات هامة من المياه دون إعادة تدوير المستعمل منها بل يلقي بها في المحيط أو في البحار. وتصنف تونس من الدول التي تعاني فقرا مائيا مع تفاقم المؤشرات على تراجع حصة الفرد الواحد في السنوات المقبلة إذا بقي الوضع على ما هو عليه. ويعيش ما يقارب300 ألف تونسي يبدون ماء تماما مع غياب الربط بالشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه وبالجمعيات المائية.
  • شهد مستوى استهلاك التونسي للمياه المعلبة ارتفاعا حيث بلغ معدل الاستهلاك 225 لترا سنة 2020 للفرد الواحد بعد أن كان يقدر بـ 40 لترا في السنة. كما تطورت مبيعات المياه المعلبة من 879 مليون لتر سنة 2010 إلى 2700 مليون لترا سنة 2020 لتحتل بذلك تونس المرتبة الرابعة عامليا من حيث استهلاك المياه المعلبة كما أن جزءا من هذه المياه يتم تصديره على الرغم من أن الثروات الطبيعية هي ملك للشعب التونسي إلا أنها أصبحت اليوم بين أيدي الخواص الذين استحوذوا على الموائد املائية ذات الجودة العالية للاستثمار والربح املادي مستغلين ضعف الرقابة أو غيابها تماما من قبل أجهزة الدولة.
  • تعيش تونس منذ 5 سنوات موجة من الجفاف، الناتج عن ارتفاع معدل درجات الحرارة السنوية بنحو 1.2 درجة مئوية على مدار الثلاثين سنة الماضية، لتتضاعف بذلك ظاهرة تبخر المياه مقابل انخفاض المياه السطحية والجوفية وتدهور في نوعية المياه وارتفاع نسبة ملوحتهاـ وكذلك انخفاض في نسبة امتلاء السدود والبحيرات الجبلية. ويوجد بتونس 36 سدا لم تتجاوز نسبة امتلائها 48 % لموفى جانفي 2022 بسبب ضعف التساقطات السنوية للأمطار.

 

وتجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير يرتكز على وقائع ميدانية تشخص اشكاليات ملموسة عاينها فريق عمل العدالة البيئية وعمل على حلحلتها برفقة المعنيين والمعنيات بها مباشرة بعيدا عن كل اشكال التنظير والسفسطة. كما يقدم هذا التقرير أهم الحملات والأعمال التي قام بها المرصد خلال سنة كاملة من المناصرة لأصحاب الحقوق.


لقراءة الدراسية كاملة عبر هذا الرابط

 

تعليق جديد

نهى بلعيد




مقالات أخرى للكاتب

نهى بلعيد