الاحتفال باليوم العالمي للمرأة ووهم المساواة
تقام النّدوات واللّقاءات ككلّ سنة احتفالا باليوم العالمي للمرأة، وفي كلّ سنة يقع اختيار شعار برّاق يجعلك تعتقد أنّ المرأة آتية من كوكب آخر حتّى نحتفل بتواجده بيننا. لا أريد بهذه الكلمات ان أحبط العزائم أو أقلّل من شأن المرأة بقدر ما أريد أن أسلّط الضّوء على مفارقة ما شاء الزّمن أن يتجاوزها : قضيّة المساواة بين المراة والرّجل.
هذه القضيّة درستها وانا تلميذة في عهد الرّئيس الحبيب بورقيبة، محرّر المرأة، إضافة إلى كونها من بين أهداف مجلة الأحوال الشّخصيّة ( 13/08/1956 ) ومجرّد وجود هذه المجلّة دليل واضح على انّ قضيّة المساواة بين المراة والرّجل هي قضيّة قديمة. فكيف إلى الآن لا نزال نجترّ هذه الشّعارت : إنصاف المرأة ، حقوق المرأة ، تمكين المرأة ... إلى آخر ذلك؟ شعارات يحاولون بها تذكير المرأة دوما بأنّها ذلك الكائن الضّعيف الّذي ينتظر أن يكرمه أحدهم أو أن ينعم عليه ببعض فضله، وأنا على يقين تامّ بأنّ المرأة ترفض هذا التّوصيف رفضا قاطعا.
فالمرأة اليوم بفضل ما بلغته من رقيّ معرفيّ وتفكير عقلانيّ منطقيّ ، وبفضل إدراكها لحقيقتها تقف ثابتة مرسية قواعدها ، مؤصّلة جذورها في واقع تفرض تواجدها فيه ، فتحاول اكتساح مختلف المجالات التّي كانت في زمن ما حكرا على الرّجل بما في ذلك المجال السّياسيّ ـ فهي تدرك انّ المساواة الفعليّة ليست مجرّد شعارات ترفع وإنّما هي إنجاز فعليّ وممارسة فعّالة على أرض الواقع بها تمتلئ صفحاتها وبها تثبت لكلّ من لا ينصفها تعنّتا أو تكبّرا أو احتقارا أنّها إنسان جدير بالثّقة ، ليس لكونها امرأة بل لنّها صاحبة كفاءة وجدارة وتجربة قابلة للتّطوير والتّجدّد مواكبة لروح عصر تفهم جيّدا تشعّباته أو بالأحرى لعبته ، وهي في كلّ تذكّر الرّجل أنّها منافسة شريفة وأنّها مرافقة ذكيّة وانّها تقف إلى جانبه فعلا على قدر المساواة لأنّ هدفهما واحد ألا وهو تحقيق الأفضل لهما معا .
غير أنّ الاحتفال بهذا اليوم لم يتمكّن من جعلي أغفل عن تلك المرأة المنسيّة هناك ، تلك التّي لا تكاد تذكر إلاّ إذا ذكّرتنا بها شاحنات الموت، تلك المرأة الّتي يكون يومها أطول من أيّامنا، تتحدّى البرد الّذي لا نشعر به منذ ساعات الصّباح الأولى، من أجل إطعام أفواهنا وسدّ جوعنا، من أجل لقمة عيش كريمة، تهب حياتها للأمراض والمجازفة، متى تحدّثت إليها ابتسمت وقالت لك " ذاك هو قدري، أنا قانعة بعيشي وراضية ببضعة الدّنانير هذه " وتفتح كفّها لتريك إيّاها وهي تنظر إلى بعيد لتخبرك سرّا ترجو ألاّ ينكشف، غير أنّك تدركه من أخاديد الزّمن المرسومة على وجهها ومن جفاف بشرتها ومن تقوّس ظهر تتحدّاه .
ماهي المساواة؟
المساواة ؟ كلمة غريبة عن قاموسها ، المساواة ؟ الضّمائر في عالمها لا تزال تفصل بين الأنتَ والأنتِ ثمّ أنّ المساواة كلمة هلاميّة ، فالمرأة هناك عزّها أن تكون كالجبل شامخة وكالنّخلة رافعة رأسها إلى السّماء في ابتهال وشكر وكنبع ماء لا ينضب خيره على المحيطين به، المهمّ عندها أن تسكن آلام ابن يتضوّر جوعا، أن ترعى ابتسامة طفل يحلم. سألتها عن الحلم قالت "أن تكون حياته أفضل، أنا أشقى وأتعب من أجله ولا أريده أن يتعب ويشقى من أجلي" .
نعم هي بالفعل تشقى، وأشقى أنا، حين تقدّم بعض هؤلاء النّسوة الكادحات ما جنينه إلى رجل اختار المقهى أنيسا وملاذا لطول النّهار. وتحدّثني عن المساواة ؟ تلك المرأة هناك، لا أعتقد انّها تعلم ما معنى اليوم العالمي للمرأة ، ولا تعلم أصلا أنّ المرأة كائن جدير بأن نحتفل بوجوده ، إلى من أحمّل مسؤوليّة جهلها ؟
يتذكّرونها خلال حملاتهم الانتخابيّة، فهي ورقة الرّهان التّي لا تخسر فمن الأفضل أن تبقى جاهلة . صحيح أنّ التفاتا متواضعا جدّا إليهنّ موجود غير أنّه لا يفي بالمطلوب، ويبقيها حيث هي. هي المرأة القويّة تلك الّتي تدرك أنّها العطاء المتدفّق وأنّها الحركة الّتي لا تهدأ وأنّها دمعة القهر الّتي لا يجب أن تنسكب وأنّها الابتسامة الدّائمة الّتي تخفي ألما يصعب عليها ذكره وأنّ حياتها الحاضر وكفى فالأحلام نصيب من يحيا والحياة عندها عملة نادرة ما دامت أنغام المحتفلين لا تصلها .
من حقّ المرأة أن تحتفل بنفسها في كلّ لحظة، أن تجعل حياتها مشرقة مادامت إنسانا يؤمن بأنّ هويّته التحدّي والإصرار والعزم ، وبأنّ مطامحه لا حدود لها ، وبأنّ الخطوط الحمراء التيّ وُضعت عمدا في أزمنة غابرة قد اندثرت معالمها ، امرأة اليوم هي امرأة تؤمن انّ هويّتها فاعل في الزّمن، وأنّها راسمة بإرادتها لخطوط عالمها بشتّى الألوان والأشكال ، وهي في كلّ ذلك تذكّر رفيقها الرّجل بأنّها تسير وإيّاه بخطى الثّبات والمسؤوليّة والاحترام المتبادل على درب خطّ واحد ألا وهو درب النّجاح والارتقاء بالمجتمع الانسانيّ.
تعليق جديد