العيد 11 للثورة التونسية: عيد باهت وغامض ... تونس إلى أين ؟
غرق مركب لمهاجرين غير شرعين كان قد غادر ليلة 15 ديسمبر إحدى النقاط البحرية بجزيرة جربة وعلى متنه 16عشرة شخصا منهم إمراتين. وكانت إحداهن أصيلة تونس العاصمة، مصحوبة برضيع عمره 8 أشهر. وتمّ إنقاذ 10اشخاص وانتشال جثتين وفقدان 4اشخاص من بينهم الرضيع. وفي خبر مأساوي آخر، تمكنت فرقة الأبحاث والتفتيش التابعة للحرس الوطني بمعتمدية تالة، ليلة 16 ديسمبر من إلقاء القبض بإحدة المناطق القريبة من معتمدية حيدرة على شخص يبلغ من العمر 35 سنة أصيل إحدى ولايات تونس الكبرى، كان يحاول الإلتحاق بالمجموعات الإرهابية المتحصنة بأحد المرتفعات الجبلية بولاية القصرين.
وليس هذين الخبرين سوى عناوين حارقة لرحلة انطلق فيها كثير من التونسيين بحثا عن الحياة، بين طيات المجهول ورغم المخاطر وحتى وإن هاجروا هذا الوطن، حيث كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الأربعاء 16 جوان 2021 أنه تم منذ تولي هشام المشيشي رئاسة الحكومة في سبتمبر 2020 إلى حدود جوان 2021 إحباط 779 عملية اجتياز للحدود التونسية واحتجاز 11609 مهاجرا.
هذا وطن ترفرف فيه الاعلام خلال هذه الأيام احتفالا بالعيد الحادي عشر للثورة التونسية. هذه الثورة التي خلقت من رحم الألم والظلم من أجل كرامة المواطن وحريته، ما يفتح المجال على مصراعيه للبحث في مسببات هذه المفارقات العميقة وللأرضية التي خلقت وعززت تطور هذه الظواهر وغيرها من واقع يهرب منه التونسي بشتى الطرق.
حادثتان جدتا في ولايتين مختلفتين لكن هما وجهان لعملة واحدة ..شابين احترقا بنار الظلم والقهر ...وهي عملة تعكس واقع شعب أجبرته قسوة الحرمان وبشاعة الفقر إلى اللجوء إلى حلول نتائجها محسوم فيها و مصيرهم محدد فيها، ألا وهو الموت. لنتساءل: مالذي يجعل شابا في الثلاثين من عمره، يلتحق بالجماعات الارهابية في مرتفعات الجبال؟ ومالذي يدفع بإمرأة أو شاب في مقتبل العمر إلى الهجرة الغير نظامية على متن قوارب الموت؟
الفقر و البطالة والتهميش
ممّا لاشك فيه، إن الفقر و البطالة والتهميش، عوامل تعتبرالدافع الأول لهروب الشعب من بلاده. فرغم تعاقب الحكومات منذ 2011 و لازالت البلاد على نفس حالها بل تفاقمت نسبة البطالة في تونس إلى 18,4 % حسب المعهد الوطني للإحصاء في نوفمبر 2021. وتشير تقديرات البنك العالمي لشهر جوان 2021، إلى أنّ نسبة الفقر ارتفعت إلى 21 % من مجموع سكان تونس خاصة بعد جائحة كورونا مقابل نسبة 15,5 % ما قبل الجائحة.
وتبقى استراتيجية البلاد في محاربة مختلف أوجه الفقر، غير واضحة وتتسم بالضبابية فضلا عن تشتتها. كما تعتمد خاصة على المساعدة المالية الظرفية ولا تستهدف أسباب الفقر الحقيقية. فقد بلغت نسبة التضخم 6,4 % خلال شهر ديسمبر 2021 وأدّت إلى غلاء الاسعار في كل المواد وتسببت في عجز تامّ بعد أن أصبح المواطن البسيط غير قادر على مجاراة هذا الارتفاع .
التجاذبات السياسية والتصريحات الصادمة لرئيس الجمهوية
طغت أيضا التجاذبات السياسية على المشهد الاعلامي. وارتفعت نسبة كره الشعب التونسي لكل من يمارس السياسة. كما ساهمت هذه التجاذبات في خيبات أمل أثقلت كاهل المواطن و زعزعت ثقته في أي مسؤول سياسي.
هذه الثقة التي اهتزت تماما بعد تصريحات رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال اكثر من مناسبة، نظرا لمخرجاتها الصادمة ودون مستوى تطلعات الشعب التونسي. وأبرز تصريحاته، كان تصريحه حول القانون عدد 38 لأصحاب الشهائد العليا، حيث أجج غضب الشباب المعطل عن العمل الذي خرج للتظاهر والإعتصام بكامل تراب الجمهورية.
وبعد ذلك التصريح، عاد سعيد مؤخرا يوم 13 ديسمبر 2021 بتصريحات تحمل مجموعة من المقترحات أهمها تنظيم استفتاء وطني حول إصلاحات دستورية يوم 25 جويلية 2022. كما اقترح أيضا إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022. وكشف عن تنظيم مشاورات "شعبية" عبر الإنترنت بداية من جانفي القادم بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على النظام السياسي القائم بالبلاد. وعلى خلفية هذه التصريحات شهدنا نوع من الخوف والريبة في نفوس التونسيسن الذين اصبحو لا يعلمون من سيفتك لهم حقوقهم خاصة الحق في العيش الكريم الذي اصبح مطلبا صعب المنال وأمرا شبه مستحيلا.
مر إذا 11 عاما على الثورة وتونس على حالها، بنية تحتية مهترئة ...شباب عاطل عن العمل ...عائلات تعاني شتى أنواع الفقر والخصاصة ولا تتمتع بأدنى مقومات العيش الكريم ...أزمات على كل المستويات أربكت المواطن وجعلته يطرح سؤال: تونس إلى أين ؟ عدم استقرار مادي ومعنوي تشهده البلاد جعل من المواطن في دوامة يجهل كيفية الخروج منها. فحتى حرية الرأي والتعبير، إحدى مكاسب الثورة وأهمها، أصبحت مهددة، خاصة بعد تعرض الصحفيين إلى الإعتداءات من قبل الامن خلال ممارستهم لعملهم، وإقصاء الإعلام خلال الندوة التي قام بها رئيس الجمهورية مع رئيس الجزائر عبد المجيد تبون.
تعليق جديد