الأفارقة جنوب الصحراء في تونس: من أجل تقنين وضعية المهاجرين وحماية حقوقهم الأساسية


لم تعرف البلاد التونسية منذ الاستقلال تنوعا عرقيا ودينيا كبيرا حيث كانت الأغلبية المطلقة من الشعب التونسي تقر بالعروبة والإسلام كمقومات للشخصية التونسية، لكن توافد الأفارقة جنوب الصحراء بأعداد كبيرة واتخاذ أغلبهم تونس كمقر إقامة دائم منذ إلغاء التأشيرة لأكثر من 10 بلدان إفريقية سنة 2014 وفي ظل دعم أوروبي لتركيز المهاجرين في شمال إفريقيا عموما وفي تونس بصفة خاصة بات يطرح عدة إشكاليات اجتماعية واقتصادية وسياسية عادة ما يتجنب الإعلام الخوض فيها. كما لم تبدي الدولة موقفا واضحا تجاه مسألة يرى البعض أنها مجال لانتهاك حقوق الإنسان فيما يرى البعض الآخر أنها مؤشر على المساس بسيادة الدولة وتهديد واضح للأمن الإجتماعي.

توجد مجموعة من الأسباب التي تدفع مواطنا إلى التخلي عن موطنه وقطع آلاف الكيلومترات أو ركوب الأمواج العاتية من أجل الجنة الموعودة التي غالبا ما لا يجدها. ويعتبر انتشار الفقر في البلدان الإفريقية جنوب الصحراء على رأس قائمة الأسباب التي تدفع مواطني هذه الدول إلى الهجر. وانتشار الفقر بشكل واسع ليس إلا نتيجة حتمية للنهب المتواصل لدول الجنوب من طرف دول الشمال التي عادة ما تؤجج الحروب في هذه الدول باعتبارها مجالا للصراع المحتدم حول من سيسيطر على ثرواتها فينعدم الأمن بعد أن انعدمت مقومات الحياة الأساسية.

أما التغيرات المناخية التي تتسبب فيها أساسا دول الشمال فتطال تأثيراتها دول الجنوب بشكل أسرع. فقد أصبحت هي الأخرى عاملا مهما يعزز دوافع الهجرة لدى متساكني الدول المعنية.

وبما أن حق التنقل أحد حقوق الإنسان التي لا يمكن الحد منها فإن الأفارقة يندفعون عبر الصحاري والبحار إلى دول الشمال التي رحبت بقدومهم في البداية حتى تستفيد من العمالة الرخيصة. لكن عدم توقف السيل الجارف من المهاجرين والتحولات الديموغرافية التي رافقت الهجرة دفعت هذه الدول إلى السعي إلى الحد من هذه الظاهرة بكافة الأساليب المتاحة. فتحول المهاجرون من مرغوب في قدومهم إلى مرفوضين تسلط عليهم مختلف أشكال العنصرية خاصة من اليمين المتطرف الذي عرف نموا في السنوات الأخيرة نتيجة مقبولية خطابه المعادي للمهاجرين لدى فئات من المجتمعات الأوروبية.

وفي سبيل إيجاد حل راديكالي لهذه الظاهرة، قررت الدول الأوروبية تحويل المعركة من شمال-جنوب إلى جنوب-جنوب، وذلك من خلال تسهيل إقامة الأفارقة جنوب الصحراء في بلدان شمال إفريقيا وخاصة في تونس سواء عبر الدعم المالي أو القانوني وحتى الإجتماعي الذي تقدمه عدة منظمات وجمعيات ممولة من دول أجنبية تشجع المهاجرين إلى العودة من أوروبا إلى تونس والإستقرار في أراضيها حيث سيجدون الجنة الموعودة مما دفع البعض إلى اعتبار الدولة التونسية مجرد شرطي أمين لدى الإتحاد الأوروبي.

وبينما يشتكي الأفارقة جنوب الصحراء من صعوبات التأقلم في المجتمع التونسي خاصة بسبب العنصرية التي يتعرضون لها رغم وجود قانون صارم يجرم العنصرية وهو القانون عدد 50 لسنة 2018 وأيضا بسبب الوضع الإقتصادي المتردي للبلاد التونسية في السنوات الأخيرة الذي يؤثر على الفرص المتاحة للعمل من أجل ضمان العيش الكريم، فإن المواطنين التونسيين يثيرون مخاوف من التأثيرات السلبية لإستقرار الأفارقة من جنوب الصحراء في  تونس على سوق الشغل بصفة خاصة فيما يذهب البعض إلى التنبيه من وجود مشروع استيطاني للأفارقة جنوب الصحراء في تونس مدعوم من الإتحاد الأوروبي على نموذج الإستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة الذي دعمته نفس الجهة لنفس الغاية وهو ما أكده التفاعل الكبير مع الحملات التي يطلقها "الحزب القومي التونسي" وهو حزب تأسس منذ سنة 2018 للمطالبة بترحيل الأفارقة المقيمين بصفة غير قانونية في البلاد التونسية وفرض التأشيرة على هذه البلدان من جديد للتصدي للمشروع الإستيطاني على حد قولهم.

وفي غياب موقف واضح وصريح للدولة التونسية فإن الأفارقة من جنوب الصحراء مازالوا يتوافدون على البلاد التونسية خاصة في ظل التضييقات التي تمنعهم من دخول التراب الجزائري وانعدام الإستقرار الأمني في ليبيا. وهو ما يدعو إلى إعطاء أولوية لهذه المسألة من أجل تقنين وضعية المهاجرين وحماية حقوقهم الأساسية في ظل مقاربة تحمي الوضعية الإقتصادية الهشة للشباب التونسي التي كانت سببا أساسيا في اندلاع ثورة 17 ديسمبر 2010 وتحمي كذلك الأمن القومي للبلاد التونسية بعد أن عانت لسنوات من ويلات الإرهاب.

تعليق جديد

خليفي إدريس




خليفي إدريس