عمل درامي تونسي يعيد قضية تعدد الزوجات...ويثير غضب الشارع؟
مسألة تعدد الزوجات وتحديدا الزواج العرفي في تونس، حسمته مجلة الأحوال الشخصية منذ أوت 1956 وذلك بمنعه. ومنذ ذلك الوقت ورغم محاولات بعض التيارات الرجعية بإعادة النظر فيه فقد تمكنت المرأة التونسية من ضمان حقها والدفاع عن مكاسبها التي أتت بها مجلة الأحوال الشخصية. ولكن منذ ليلة أمس الإثنين حرب جديدة تفتح على مصراعيها على الزواج العرفي وتعدد الزوجات بعد أن تطرق مسلسل "براءة" للمخرج سامي الفهري لهذا الموضوع وبطريقة بعيدة كل البعد عن طبيعة ونمط الحياة داخل الأسر التونسية.
ويتمثل الزواج العرفي في اتفاق شفاهي بين الثنائي يشترط فقط إشهاره وقد تم تجاوز هذا الصنف من الزواج منذ القرن الثاني للهجرة. ولا يفوتنا أن القانون التونسي يمنع الزواج بثانية ويعاقب بالسجن سنة لمرتكبه. رغم هذا الإطار التشريعي والتنظيمي الذي يمنع تعدد الزوجات، فقد سمح لنفسه مخرج مسلسل "براءة" الذي هو عمل درامي اجتماعي، بطرح الموضوع. فبطل العمل "وناس" والذي يتقمصه الممثل فتحي الهداوي، طلب الزواج من خادمته عرفيا وفرض ذلك على زوجته التي تمردت على قراره وحاولت الانفصال عنه ولكن المجتمع يعيدها إليه حتى لا تفرط في حقها.
لقد بدا الحوار بين الزوجة وزوجها والخادمة غريبا وبعيدا عن نمط الحياة في المجتمع التونسي. فخلافا أنّ الأمر غير قانوني في خصوص الزوجة الثانية فان الزواج عرفيا غير مطروح وربما حتى لا نبدو مبالغين فان النسب ضعيفة جدا ان كانت أصلا غير موجودة.
وقد تعللت الشخصية أي وناس، في الدفاع عن رغبتها في الزوجة الثانية من منطلق حاجته للراحة وعلى زوجته الأولى أن تفكر في راحته بتقبل الثانية ويعلنها صراحة أن الأمر لن يتعدى الزواج العرفي. ويجد الدعم لذلك من والد البنت أي الخادمة الذي وافق بمقابل مالي وغالبا مهما كان الأولياء يستغلون أبناءهم فان قبول هكذا زواج يكون من الصعب على العائلات التونسية.
تعدد الزوجات حديث ومشغل كل رواد مواقع التواصل الأجتماعي
الحوار الذي دارت حوله الحلقة الثالثة من مسلسل براءة لسامي الفهري والذي تبثه قناة الحوار التونسي، هذا الحوار امتد الى شبكة التواصل الاجتماعي وتحديدا الفايسبوك وصار حديث ومشغل كل رواد مواقع التواصل الأجتماعي.
في البداية، كان الأمر لا يتعدى التندر بموقف الشخصية في المسلسل وطريقة تبريرها للزواج بثانية وهذا الفكر الرجعي الذي استخدمه لإقناع من حوله. فيعج الفايسبوك بالطرائف حول هذا الطرح الرجعي لمسألة الزواج في تونس التي تعتبر سباقة في مجال حماية حقوق المرأة. وكأن بسامي الفهري لم يفكر أثناء كتابته للسيناريو، لم يفكر بخصوصية الشارع التونسي وإنتظاراته من الدراما في شهر رمضان.
وفي مقابل الطرائف التي غطت كل فضاءات النقاش على حيطان الفايسبوك، طرح شق آخر المسألة بكل جدية وعبر عن مخاوفه من إمكانية أن يكون سامي الفهري قد تعمد طرح هذا الموضوع الذي رج كل الشرائح الاجتماعية وهز كل الشارع التونسي. وأرجع مجددا المخاوف من تعدد الزوجات التي رافقت التونسيات منذ وصول حزب حركة النهضة للحكم بعد الثورة.
وجدير بالذكر، أنه بعيد الثورة وفي سنتها الأولى كانت مجموعة من النساء من اللواتي ينتمين إلى حركة النهضة قمنا بحركة احتجاجية أمام مجلس النواب للمطالبة بتعدد الزوجات. لهذا السبب انزعجت الأغلبية من النساء التونسيات من إعادة النقاش حول تعدد الزوجات إلى الفضاء العام وهو ما سيفتح مجددا حربا بين المؤيدين والمعارضين للفكرة.
لنتساءل: إلى أي مدى كان كاتب السيناريو ومخرجه واعيا بخطورة وحساسية طرح مثل هذه المواضيع في الظرفية الحرجة التي تمر بها تونس؟ هل أن كتابة السيناريو خلال فترة سجنه قد أسهمت في إنتاج هوة بينه وبين عادات المجتمع التونسي ونمط عيشه؟
تعليق جديد