خوفا من أشباح الأعوام الماضية سيدي الرئيس: 102 % يريدونك رئيسا مدى الحياة و300% موافقون على إغلاق ومصادرة المؤسسات الدستورية
"القلوب بلغت الحناجر" عند موظفي التربية من المعلمين والأساتذة والإداريين، الكتلة الأكبر عدديا وماليا في موظفي الدولة، بسبب تأخر صرف الأجو، وأنا أعتقد أن عزاءهم الأخير هو أن تأخر صرف الأجور في فيفري سيشمل قطاعات أخرى أكثر، وفي مارس ستكون معضلة حقا "في الهوى سوى" باستثناء قطاعات القوة الناعمة والعنيفة ذات الأولوية لاستمرار الوضع: "الداخلية والدفاع".
وليس هناك أي سر في المسألة، باعتبار أن الحديث عن الاقتصاد مبني على كل ماهو علمي وحسابي: دولة تنفق أكثر بكثير مما تنتج وليس لها أي مشروع للنهوض الاقتصادي لتطوير مداخليها الطبيعية حتى تقترب من إنفاقها وتساهم في الاستثمار لاستيعاب العاطلين عن العمل، لا في الأفق القريب ولا البعيد، دولة تسير نحو مراكمة العجز والفشل وتأكيد منظومات الفساد التي نعرفها، لذلك، لا أحد يريد مساعدتها على الاستمرار في هذا الوضع، لأن أي مساعدة مالية ستكفي فقط لتجاوز عجز شهر من الأجور والإنفاق...ماذا بعد؟
ثم يأتي وقت سوف تعجر البنوك عن إعطاء قرض للدولة، لتجد نفسك متصلا بالصين أو بأحد كواسر المال les fonds vautours دون أن يطلب أحد منك ذلك، وتعرض عليهم إمكانية شراء إحدى المؤسسات العمومية مقابل أجور ثلاثة أشهر من أجل وضع حدّ للأزمة في غياب حل حقيقي لها ولأنك تعاني من "اضطراب داخلي" وعدم القدرة على لمّ شمل المواطنين حول مشروع يبدأ ضرورة من التضحية، ولأنك تمضي وقتك في ترذيل القضاء ومختلف المؤسسات الدستورية التي اتفقنا على دورها في لجم الديكتاتورية والسلط المطلقة. ذلك أن من تتهمهم بأنهم مخمورون ولصوص وفاسدون وتطلق عليهم القضاء العسكري ويجلبهم المحققون من أقاصي الجنوب إلى العاصمة من أجل مقال رأي في موقع التواصل الاجتماعي، لم تترك لهم مبررا لكي يضحوا معك ولا أن يتركوا أحدا يثق بنواياك للأعوام القادمة، وأنت تردد بفخر أن 89% لا يثقون بالقضاء و92% يريدون سحب الثقة من نواب الشعب رغم أنهم لا يمثلون حتى 1% من الشعب.
أستطيع بخبرة الذئب العجوز في معالجة هذه الروح الشعبوية أن أتوقع الخطوة الموالية للآلة التي تصنع الغباء السياسي في أي استفتاء قادم، وإن بشيء من المبالغة الكاريكاتورية: 102% سيريدونك رئيسا مدى الحياة، و107.5% سيوافقون على إغلاق كل وسيلة إعلام تنقدك وسجن كل صحفي يتورط في ذلك، و300% سيعبرون عن رغبتهم في إغلاق ومصادرة المؤسسات الدستورية ومنع الأحزاب والمنظمات ووسائل الإعلام المستقلة وإعادة إلحاق السياسة والفكر والثقافة والإعلام والمهرجانات ومسابقات الأغنية وملكات الجمال وكل المهرجانات حتى جز النعجة الجرباء بإدارة فرقة الإرشاد السياسي تحت إدارة المصالح المختصة التابعة بدورها إلى إدارة الأمن العام والشؤون السياسية، التابعة لوزارة كل شيء، كما كان الوضع عليه دائما في العالم العربي الكئيب، حيث البقاء في السلطة هو أصل كل شيء. ليس لأنك كذلك، سيدي الرئيس، بل لأنهم كذلك، ثم، أنا أعرف أنك لا تقرأ ما يكتب هنا، لذلك أكتب لنفسي، خوفا من أشباح الأعوام الماضية التي تتكرر.
تعليق جديد