تجربتي المتواضعة في مجال الفلاحة جعلتني أصطدم بواقع فلاحي مرير


في هذه الغوغاء التي نعيش منذ أن أُعلن عن تعيين آمر لواء لقيادة وزارة الفلاحة، اريد ان اقول كلمة، فأنا طينتي طينة أستاذ أحكم على الأمور كما هي ودون مؤثرات، تجربتي المتواضعة في مجال الفلاحة واعتنائي بأرض فلاحية جعلتني أصطدم بواقع فلاحي مرير، وأشفق على الفلاح البسيط الذي ليس له مورد عيش إلاّ الفلاحة، اموال ضائعة، إدارات الفلاحة الجهوية لا تهمّها مشاكل الفلاّح، و"عصا في العجلة"، رشوة حتى يتمكّن الفلاح من القيام بعمله، وإهمال مطلق للطرقات الفلاحية. وإذا نزل المطر الذي نسميه غيثا نافعا يسجن الفلاح في بيته ولن يقدر على الخروج إلى أن تجفّ الأرض قليلا.

لقد قمت بمحاولات في الاتصال بالإدارات الجهوية لعرض المشكل، ولكن لا يسمعك أحد، الأمر الذي دفعني في إحدى المرّات إلى الصراخ مطالبة بوزير من الجيش، لأنّ الفلاحة من الأمن الغذائي ولأنّي أحسست أنّ هناك من يريد محقها.
هذا من زاويتي أنا ولا أستطيع أن أبحث في النوايا، المشاكل تظلّ تثقل الفلاّح إلى درجة أن يحبط باليأس ويترك الأمور كما هي ويقنع بالزراعة التقليدية التي لا تسبب وجع الرأس. أين نحن ماضون؟؟ وزارة أثقلها الغنوشي بتعييناته.. وتدهور حال الفلاحة والفلاّح؟؟؟!!!!

وهذا ما حصل لي في حصاد السنة الماضية حيث بقيت أنتظر الصكّ البنكي من ديوان الحبوب 3 أسابيع، وتصوروا الفلاح الصغير الذي يعيل عائلات من الأرض، وخلاص أجر العمال... من أين له أن يقترض؟؟

ظللت أنذاك 3 اسابيع أنتظر ردا، أخذت الصك وتوجّهت إلى البنك الفلاحي.. دخلت، انتظرت السيد المدير إلى أن يتفرّغ إليّ حتى يعطي الإذن بالصرف، لأنّ الرجل حريص على الصدق والشفافية وليست له ثقة في بقية الأعوان، دخلت والساعة كانت تشير إلى 11 صباحا، وتخيّلوا ماذا طلب منّي: "اجلبي وثيقة تثبت أنّك صاحبة الأرض" و الشيك من ديوان الحبوب بإسمي.. اعطني المال، وما دخلك ؟ هل لديكم في البنوك قانون يفرض اشتراط ملكية لكلّ شيك سيصرف؟؟؟ والديوان يلعب عندما اعطاني شيكا بإسمي؟

وأنا في طريقي للخروج قال لي فلاّح "أعطيه حويجة للبركة توة يعدّيك"، ضحكت وخرجت. كنت أقود السيارة قيادة جنونية لما سمعته، ووصلت إلى باردو من العالية في ظرف 30 دقيقة، حاملة نسخة من ملكيتي للأرض.. وعدت قبل أن يغلق البنك أبوابه.

وعند عودتي استقبلني بالباب ورفض أن يقرأ النسخة تكريما لي، وقمت بتحويل المبلغ إلى حسابي، وما لفت نظري عند عودتي أنّه كان يناديني: أستاذة!!! من قال له أنّي أستاذة؟؟؟ وهل إن المعاملات تختلف من شخص إلى آخر؟؟؟

هذه صورة وجيزة من معاناة يومية لفلاّح تونسي، والغريب أنّكم تقفون اليوم والصراخ يسبقكم، لماذا عيِّن عسكري، نعم فليكن، وان شا الله يتم تنظيف هذا القطاع، وكم أحلم أن تصير تونس شبيهة بتلك الأراضي الفلاحية التي أمرّ بها في المغرب ولا أتحدّث عن تلك التي أمرّ بها في أوروبا، ربّما هي في الجنات التي تجري من تحتها الأنهار.

تعليق جديد

نائلة سليني




نائلة سليني