لم أشاهد عرض الأمين النّهدي الأخير، لكن ما أقرؤه من تعاليق ينبئ بعقليّة جمعيّة مخصوصة... "يمشي يعمل حجّة ويرتاح"، وكأن للحجّ سنّا معيّنا، فالدّين عند القوم متصل بقرب النهاية (ومنطق البيع والاشتراء). والطّريف أن لا أحد يعرف وقت النّهاية لكنّهم ينسون.
كذلك تعاليق من قبيل "كبر يزّيه"؛ تزايدت "الشيخوخة فوبيا" في البلاد، فكأنّ على الإنسان أن يموت قبل الموت إرضاء لمجتمع لا يريد أن يرى الشّيخوخة ويريد أن ينسى أنه كائن فان.
والحال أن لا شيء يمنع الإنسان من الفعل في أيّ سنّ، فإن لم ينل الفعل رضاك فذاك لا علاقة له بسنّ الفاعل بل بتقبّلك له.
"النّهدي يسخر من اللّهجة الرّيفيّة"... في تجسيم لانشطار وهميّ في المجتمع انتشر بعد أحداث 2011، ولو وظّف لهجة البلديّة أو السّواحلية أو الصفاقسيّة في السّخرية، لما كان هناك إشكال ... "يزيه ما ربح فلوس"، وهذه تعرفونها الحسد الشائع في بلادنا.
فأنا لم أشاهد المسرحيّة، لكن ما أعرفه هو أنّ للمين النّهدي تاريخا فنّيّا حافلا زاخرا من واجبنا احترامه (آلاف من شاهدوا مسرحيّتي: "المكّي وزكيّة" أو "في هاكالسّردوك نريّشو" وقبل ذلك "الكرّيطة" لم يأتوا من القمر) وما أعرفه أيضا هو أنّ الفكاهة تتبدّل وتتغيّر، فالجمهور الّذي يتدافع لتضحكه "بذاأت" و"شتائم هابطة" هو جمهور له ذائقة مختلفة عن جمهور الثمانينيّات أو التّسعينيّات.
وقد لا يعجبك عمل فنّيّ، لكن تذكّر أنّه لا يعجبك أنت وأنّ الكون لا يدور حولك، وأنّ العرض الّذي لا يعجبك لا يمنحك حقّ السّخرية من سنّ البشر، ولا إسقاط عقدك الجهويّة والمادّية عليهم.
لقد وددت أن أقرأ نقدا فنّيا، لكن نحن لا نحسن النّقد الفنّي ولا السّياسيّ ولا الرّياضيّ ولا الاقتصاديّ ولا الاجتماعيّ، فنحن فقط نبرع أيّما براعة في الشّتم والتّشهير والشّماتة.
رحمك الله يا منصف يا ونّاس ... هذه الشّخصيّة الجمعيّة تحتاج إلى أكثر من كتاب.
رحمك الله يا منصف يا ونّاس ... هذه الشّخصيّة الجمعيّة تحتاج إلى أكثر من كتاب.