صادف أمس، الاثنين 25 جويلية 2022، الذكرى الثالثة على رحيل الرئيس الباجي قائد السبسي، ذكرى مرّت مرور الكرام في خضّم جلبة الاستفتاء على مشروع دستور قيس سعيّد الذي بدوره تناسى تاريخ وفاة رجل استثنائي قدّم لتونس الكثير، رجل ترك أثرا في الدولة وشعبها حتّى بتاريخ رحليه عن عالمنا والذي اقترن بالاحتفال بالذكرى 62 لانبعاث أول جمهورية تونسية ذات سيادة.
كان الباجي قائد السبسي رئيسا نادرا ومختلفا عن سالفيه، في عهده شهدنا تحرّرا في المشهد الإعلامي، شهدنا تأسيس للعديد من الأحزاب المعارضة وغيرها من الممارسات التي كنّا نخشى حتّى تناولها في أحاديث جانبية في سنوات ما قبل الثورة خوفا من الاعتقالات والمحاسبة، فأيّ رئيس كان سيسمح بمعاداته علنيّا ومهاجمته في منابر إعلامية؟ أيّ رئيس كان سيتهاون مع من يتناول أخبار مرضه وشائعات وفاته على الملأ؟ وأيّ رئيس كان سيقبل العلاج في مستشفى حكومي تحت اشراف طاقم طبّي تونسي عوض السفر إلى الخارج؟ من غير ''السبسي''؟
كان الباجي قائد السبسي رئيسا قويّا تمكّن بحنكته السياسية وذكائه وولائه اللامتناهي لتونس من لعب دور أساسي في مرحلة الانتقال الديمقراطي واختار التوافق مع حركة النهضة لتجنيب البلاد المزيد من الفوضى والأزمات وحفاظا على المسار التشاركي. والباجي الذي تولّى منصب رئيس الجمهورية لم يكن كغيره من الرؤساء، كان رئيسا لكلّ التونسيين باختلاف دياناتهم وتوجهاتهم السياسية وأفكارهم ومعتقداتهم وصل الى الحكم بانتخابات شفافة وديمقراطية.
مليون امرأة كن قد توّجن الراحل سنة 2014 رئيسا لتونس... مليون امرأة من مختلف الشرائح العمرية والطبقات الاجتماعية اخترن ''البجبوج" كما يحلو لهنّ مناداته لبناء مؤسسات الدولة ولقيادة مرحلة انتقالية ليردّ لهنّ الجميل بقرارات ستخلّد عبر التاريخ، قرارات انتصرت للمرأة التونسية وحرّرتها من قيود رجعية فالراحل هو من ألغى قانون حظر زواج المسلمة بغير المسلم، وهو من دعم قانون القضاء على العنف ضد المرأة وهو من طالببالمساواة في الميراث بين الجنسين.
الغنوشي: محاولة فاشلة لاستعطاف التونسيين
هذا الرجل الاستثنائي الذي رحل في سكينة لم تحظى ذكرى وفاته باهتمام وسائل الاعلام ولا رئاسة الجمهورية ولا حتّى الذين كانوا مجتمعين حوله في حزب نداء تونس لخدمة مصالحهم الشخصية، ومن المضحكات المبكيات أنّ الوحيد الذي زاره في مرقده اليوم هو رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي كان في وقت من الأوقات غريمه السياسي. لقد استغل الغنوشي الفرصة لتلميع صورته التي اضمحلت شيئا فشيئا، وماهي إلا محاولة فاشلة منه لكسب عطف التونسيين مجدّدا خاصة أنّ الغنوشي كان سببا في انقلاب يوسف الشاهد على معلّمه وداعمه الراحل السبسي وتحالفه من النهضة لمنع فتح ملفّ الاغتيالات السياسية وتورّط الجهاز السري للحركة في ذلك.
لقد حُفر تاريخ 25 جويلية 2019 في ذاكرة كلّ التونسيين ليس فقط لأنّه كان احتفالا بذكرى الجمهورية بل لأنّ جنازة الباجي قائد السبسي كانت تاريخية ستخلّد وتُدرّس مستقبلا، ذكرى خروج آلاف التونسيين من قرطاج إلى مقبرة الجلاز ذارفين الدموع يزُفّون زعيمهم بالورود، زعيم شارك في تشييعه العديد من قادة ورؤساء الدول العربية والأجنبية في مشهد استثنائي تتويجا لرجل استثنائي رحل جسدا لكن ذكراه ستخلّد أبد الدهر.