لن أنسى كيف أغرقتنا حركة النهضة منذ 2011 في صراع الهوية وهددتنا بنسف مدنية الدولة عبر عرض دستور غرة جوان 2013 الذي يعتبر الشريعة الاسلامية مصدرا للتشريع لكن في اليوم الموعود وعند الصياغة النهائية لدستور 2014، تخلت لنا عن كل مطالبها ومكنتنا من كل ما طلبناه من حرية الضمير ومدنية الدولة والحفاظ على مكتسبات المرأة بل وكانت مستعدة حتى لدسترة حقوق المثليين.
خلنا وقتها أننا انتصرنا عليها، وأن قوتنا الجبارة جعلتها تركع أمامنا لكن بمجرد العمل بهذا الدستور إستفقنا على كون تطبيق الشريعة لا يعنيها وانها ألهتنا بمشكل الهوية الوارد بالباب الأول وإستحوذت على كامل الفصول المتعلقة بالباب الثالث من الدستور.
كان هدفها الاول والأخير هو الاستحواذ على السلطة، وهذا الباب المتعلق بالسلط الثلاث مكنها من تحطيم الدولة، والاستحواذ على كامل سلطها وجعلها وهي أقلية تتحكم في الأغلبية وتنتصر عليها وتستولي على كل مفاصل الدولة. ولقد كان صراع الهوية فخا محكما نصبته لنا وللأسف اليوم التاريخ يعيد نفسه مع نفس الديمقراطيين الحداثيين.
فمن يريد حقا أن يناقش مشروع الدستور الجديد، عليه أن يهتم أولا وقبل كل شيء بالباب المتعلق بالسلطة وحظوظ الأخوان فيه، وكيف أن هذا الباب سينسفهم إلى الأبد حتى لو نص الباب الأول على ان الشريعة مصدرا للتشريع.
فالعديد من المنتقدين لمشروع الدستور هم في الحقيقة رافضون لفكرة التغيير ومتمسكون بدستور 2014 الذي يضمن مصالحهم ويضمن لهم بقاء منظومة الفساد التي تحقق لهم طموحهم، لذلك فقد نادوا بمقاطعة الإستفتاء قبل حتى نشر المشروع والاطلاع عليه، بل كانوا سيرفضونه حتى ولو قدم لهم أفضل دستور في العالم. وللأسف، قيس سعيد بمشروعه هذا قدم لهؤلاء ما يكفي وزيادة ليحولوا زيفهم ونفاقهم إلى حجج وبراهين.
فنحن أردناه دستورا حقيقيا متميزا، وصالحا لتونس لمدة عشرين أو أربعين سنة، لكنه تعنت وفرض ما أراد، لا مشكل في ذلك، سنقبل بمشروعه ونعتبره دستورا صالحا لسنتين فقط أو بالأحرى تمديدا في الأمر الرئاسي عدد 117، حتى نتجنب عودة عشرية الخراب وفاسديها، ومن ثمّ بعد سنتين سيكون لكل حادث حديث.