من بين الاشخاص الذين قابلتهم في العطلة، اثنان من الناشطين والفاعلين في المجال الثقافي؛ رجل أدب ورجل مسرح، وكلاهما يشتغلون على تأطير وتكوين جيل جديد من الفنانين والكُتّاب بعيدا عن الرداءة السائدة. في حواري معهما، كان لدى الاثنان نفس التشخيص للمرحلة، لكل ما مرّ على تونس منذ سنة 2011 وصولا إلى اليوم. وقد عبرا عن غياب مشروع ثقافي للدولة التونسية، وإستقالتها من دورها التثقيفي للشباب.
فقد بقي المجال بقي مفتوحا لثقافة الشارع، والتي بقدر ماهو مشروع لها ستكون موجودة، بقدر ماهو خطير أنها أصبحت الثقافة الوحيدة السائدة. وابسط مثال على ذلك هو دعم الدولة الذي يتوجه كليا "للرابورات والمزاودية والعيساويات" (الحضرة، الزيارة، ...) والتهريج وبورنوغرافيا العنف.
والدولة، يمكننا القول، أنها إستقالت تماما من دورها الإجتماعي ولخصته في وظائف وهمية، وإعانات عينية في المواسم، وتناست أنه ثمة جيل في طور النمو دون رابط عاطفي ببلاده.
وهنا عادت بي الذكرة لسنة 94، كنت لازلت قد نجحت في مناظرة "السيزيام"، فقرروا أن يجمعوا كل المتفوقين في مدارس ولاية المهدية في مخيم صيفي؛ منها فرصة للسباحة والتنزه، وكذلك شخص يأتينا كلّ عشية مهمته هي بروباغندا لسياسة الدولة و إنجازاتها. وفي مرة من المرات، أتى مواطن ليتحدث معنا حول المعجزة الإقتصادية التونسية، وأرادنا أن نعطي رأينا في ما قاله. وهنا وفي تلك الفترة، أصعب معضلة يتعرض لها الطفل هي حيرته في اختيار المثلجات التي سيشتريها، إما أن يأخذ "Glace Charlot" أو " Glace Clown" (أنواع مثلجات تونسية)، فمثلجات "شارلو" تحتوي على الشوكولا، أما مثلجات "الكلون"( Clown) ففيها علكة...
لا علينا في هذا، وقف احد اصدقائي (صالح شقشوقي) وأجابه: "لو فكرنا لرأينا أن تونس تعتبر دولة متمقدمة نوعا ما مقارنة ببقية الدول". فإجابته كانت فرضا كفاية، وترفع التكليف على باقي الحضور. وضحكنا ضحك طفلين معا، وعدونا فسبقنا ظلنا نحو قاعة الطعام لنأكل.