من الغريب أن تسمع بمنع الولايات المتحدة لكتاب ما، والأغرب من ذلك هو أن يُمنع الكتاب لأنّه كتاب شعريّ يتطرّق إلى الآثار النفسية للاعتداء الجنسيّ على فتاة. ولكن هذا ما حدث للمجموعة الشعرية "حليب وعسل" Milk and Honey للشّاعرة الكندية من أصول هنديّة، "روبي كور" Rupi Kaur والبالغة من العمر تسعة وعشرين عاما. لم يمنع الكتاب على المستوى الفدرالي ولكنّ أجزاء من ولايتي تكساس وأورجون حجّرت مؤخّرا وجوده في المدارس وبيعه في المكتبات، إلى جانب قائمة يبدو أنّها أصبحت طويلة من كتب أخرى.
هذه المجموعة الشعريّة كانت أوّل إصدار في سنّ الواحدة والعشرين لروبي كور التي تحوّلت فيما بعد إلى ظاهرة أدبية وفنية على أرض الواقع وحديث مواقع التواصل الاجتماعي. فلقد اشتهرت روبي التي يعدّ حسابها على انستغرام 4,5 مليون متابع، بإلقائها الاستعراضي لقصائدها، إلى درجة أنّها تقوم في السنوات الأخيرة بتقديم عروضها الشعريّة في دورة حول العالم، وهي ضيفة لأهمّ البرامج التلفزيونية الأمريكية مثل برنامج The Tonight Show الذي يقدمه "جيمي فالون".
في حديثها على حسابها في الانستغرام عن خبر التحجير، ذكرت "روبي كور" من بين الحجج لفائدة رفع المنع عن كتابها، أنّ نجاح مجموعتها الشعرية يعود إلى تعاطف القرّاء مع موضوع الاعتداء الجنسيّ على القصّر، وذلك لأنّ مثل هذه الاعتداءات واردة بكثرة. وتذكر "كور" أنه حسب الإحصائيّات في الولايات المتحدة فإن 33% من النساء تعرّضن لاعتداءات جنسية ولكن يتعرض 25% من الرجال أيضا إلى مثل ذلك، وأنّ ثلث هذه الاعتداءات جميعا تحدث ما بين سنّ الحادية عشر والسابعة عشر.
ما لفت انتباهي في هذه الأرقام هو أن إحصائيات الاعتداءات الجنسية على الرجال ليست بالبعيدة جدّا عن الإحصائيات المتعلقة بالنساء، ورغم ذلك فإنّ الحديث على العموم في هذا الموضوع غالبا ما يظهر وكأنّه مقتصر على المرأة. فهل أنّ المجتمع الذكوريّ – وهنا لا أخصّ المجتمع الشرقي فهذه إحصائيات آتية من شمال أمريكا – لا يتحمّل التطرّق إلى ما قد يبدي الرّجل في موقع الضحيّة؟ هل يجب دوما على الرّجل أن يظهر قويّا ومسيطِرًا على الوضع؟ ألا يقبل المجتمع الذكوري بأنّ للرجل أيضا هشاشة؟
1 من 3 نساء، و 1 من 4 رجال ! هذه الأرقام الأمريكية، فما هي الأرقام التونسية مثلا؟ أو العربية؟
1 من 3 نساء، و 1 من 4 رجال...هذا ما يعني معدّل واحدة من 3 قارئات، وواحدا من 4 قارئين لهذا البوست! متى سيصبح كتاب "حليب وعسل" كما قالت "روبي كور" غير مثير لتعاطف القرّاء لأنّهم لن يجدوا فيه شيئا يعرفونه؟