لاحظنا مؤخرا تنامى خطاب متعصب متشدد يقطر عنفا وينبئ بمواجهة خطيرة بين عدد من الجماهير الرياضية وأعوان الأمن. هذا الخطاب الذي يدخل في سبات حينا ويستيقظ متوهجا أحيانا أخرى. وهذا الخطاب يرتبط بملف حارق يقض مضاجع المسؤولين. ويخشى الجميع هذا الخطاب الذي يترجم ضعف المؤسسات وتهور قطاعات واسعة من الناس وتطاول فئة المنحرفين على أجهزة الدولة وتقصير عديد الأمنين.
وتمثل المؤسسة الأمنية إحدى أهم وأقوى الأجهزة في الدولة التونسية عبر تاريخها، وقد بلغت هذه المؤسسة أعلى رتب الحكم والإدارة والسلطة. ويضيق هنا المجال لتقييم عملها ومردوديتها. لهذا سأكتفي ببعض الإشارات لوضعيتها الحالية في خضم مجريات أمنية وسياسية وشعبية دقيقة وخطيرة.
تعاني المؤسسة الأمنية في السنوات الأخيرة من قصف إعلامي وسياسي عنيف وموجه أربكها وادخل الخوف والتوجس في قيادتها وباتت تسيطر على مخيلة " زعمائها " مشاهد الوقوف في أروقة المحاكم وهوس القضبان مما جعل أغلبهم يحترفون شعار "اخطى راسي واضرب"، وهنا تراجع الأداء والرقابة والالتزام واهتزت العقيدة وانتشر الارتياب.
كما شهدنا خلال السنوات الأخيرة، اقتحام السياسيين للحصن الرمادي في شارع الحبيب بورقيبة وافتكاكهم مقود القيادة الإدارية والامتيازات وسلطة القرار في السنوات الأخيرة وفقا لحسابات سياسية وأهواء حزبية. ممّا جر عديد الأمنيين إلى مستنقع الرغبات السياسية وخدمة الأجندات الموازية والخارجة عن نطاق العقيدة الأمنية. بالإضافة إلى الانتدابات المشبوهة والفراغ التكويني والصراع مع بعض قوى المجتمع المدني(نقابات، منظمات).
إلى جانب ذلك، فقدت وزارة الداخلية السيطرة على عديد مكوناتها ( بشرية وهيكلية ومعلوماتية) وأصبحت هدفا لذوي النفوذ والعصابات والفاسدين بسبب تفشي ظاهرة الرشوة وتورط كوادر وأعوان في قضايا مختلفة( تزوي، رشوة، عنف، تهريب ، ترويج مخدرات...) وافلاتهم من العقاب والمحاسبة. ولئن كانت هذا السلوكيات موجودة الا أنها تفاقمت في السنوات الأخيرة.
التهور المجتمعي وفساد السلوك العام
إنّ الوضع الأمني المتدهور وتفشي الجريمة والعنف لا يعد مسؤولية المؤسسة الأمنية فقط، وإنما هو تصرف جماعي ومظهر عام أضحى يخيم على حياة التونسيين. فقد ساد في السنوات الأخيرة سلوك التهور والانحراف والجريمة والافلات من العقاب والتطاول على الأجهزة لدى عديد الفئات في مختلف الأوساط. فانتشرت المجموعات المارقة عن القانون بل وأصبحت أحياء ومدن وعائلات وقبائل معينة تتباهى بجبروت عنفها وشدة انحرافها مستندة إلى "معارفها" و"رشاويها" و"حاميها" و" جرأتها" و"عروشها".
كما ان هناك مزاج عام ضد كل ماهو نظام عام بفعل تخمة الحرية وسوء فهم التعبير وغطاء الحقوق وفلكلور الحرية.. فأصبح التخريب والتعدي على الملك العام والمؤسسات وإثارة النعرات " مطالب مشروعة" و"حرية تعبير" تنتصب الموائد الإعلامية والحقوقية تبرره وتدافع عنه.
إن تهاون وضعف وانخرام وفساد المؤسسة الأمنية وحالة التسيب والفوضى والجريمة التي تعشش في اذهان قطعان من الناس تفتح الطريق نحو ساحة التطاحن والمواجهة والانهيار وألعوبة " العدالة أو الفوضى" لا تخرج عن هذا المسار.