أعلن رئيس الجمهورية يوم الأربعاء 30 مارس 2022، عن حل مجلس نواب الشعب بصفة نهائية وذلك استنادا الى الفصل 72 من دستور الجمهورية التونسية لسنة 2014، مما خلف جدلا واسعا تباينت فيه ردود الفعل بين رافض للقرار من ناحية قانونية وسياسية وبين مساند له دعما لقرارات الرئيس. ليطغى الجدل القانوني من جديد على النقاش السياسي حول قرارات رئيس الجمهوريّة وأستاذ القانون الدستوري الذي تفنن في خرق الدستور كلما كانت المصلحة تقتضي ذلك حسب ما رآه البعض.
وانطلاقا من تفعيل الرئيس للفصل 80 من الدستور الذي ينص في فقرته الثانية على ضرورة ابقاء البرلمان في حالة انعقاد دائم و عدم اقالة الحكومة ذهب سعيد الى عكس ذلك بقرارات 25 جويلية 2021 الأمر الذي اعتبره استاذ القانون الدستوري كمال بن مسعود " تحميل ما لم يحتمله الفصل " وشبّه ما فعله قيس سعيد بأسطورة عليسه مع جلد الثور اثناء تأسيس قرطاج، وقد تمرد رئيس الجمهورية مرة أخرى على الدستور عند اصدار الأمر 117 لسنة 2021 و المؤرخ في 15 سبتمبر 2021 الذي علق فيه العمل أساسا ببابي السلطة التنفيذية والتشريعية من دستور الجمهورية وبالتالي انفرد بصلاحيات السلطة التنفيذية عبر تعيين حكومة ترأسها السيدة نجلاء بودن وبالسلطة التشريعية من خلال انفراده بإصدار المراسيم الرئاسية المحصنة قانونيا من الطعن فيها سواء بالإلغاء او من خلال مراقبة مدى دستورية مشاريع القوانين الصادرة في شكل مراسيم رئاسية بعد حل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.
وبذلك واصل الرئيس في التعسف على النص الدستوري الى غاية اقراره بحل البرلمان استنادا الى الفصل 72 الذي ينص على ''أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور''، و لم يسر هذا الأخير في مفرداته او بين سطوره على امكانية حل البرلمان التي وردت فقط لفظا في الفصل 77 و الفصل 89 وفق حالة محددة لا غيرها ، هذا الأمر دفع "بصديق الأمس" الأستاذ في القانون العام الصغير الزكراوي - الذي كان مدافعا شرسا عن قرارات 25 جويلية - الى اعتبار ان اساس حل البرلمان غير سليم و بالتالي فان السند القانوني الذي ارتكز عليه قيس سعيد غير صائب ليعزز بذلك الموقف السياسي الرافض للمسار المذكور.
تعمّق الازمة السياسية
يبدو أن هوة الصراع بين الاحزاب الرافضة لقرارات رئيس الجمهورية و خاصة الأخيرة منها، تتسع شيئا فشيئا و تزيد من اغتراب قيس سعيد و عزلته ايزاء مقبولية مراسيمه بين الفاعلين في الحقل السياسي.
الى جانب حركة النهضة اعتبر التيار الديمقراطي رفضه لقرار حل البرلمان وأعلن عن تشكيل لجنة للدفاع عن النواب الذين يعتزم رئيس الجمهورية بملاحقتهم قضائيا بتهمة التآمر على أمن الدولة حسب ما جاء في كلمته التي القاها يوم 30 مارس 2022 اثر انعقاد مجلس الأمن القوم، واعتبر نشطاء سياسيون ان هذا التتبع سياسي، هدفه تقويض حرية التعبير والعودة الى بناء ديكتاتورية جديدة بحلة اكساها رئيس الجمهورية جبة المشروعية السياسيّة .
ويشار إلى ان سعيد لا يخفي رفضه للمنظومة الحزبية الحالية وقد سعى في كل مناسبة الى القاء تهم الفساد والرشوة ضد قيادات حزبية دون ان نرى اي قضايا مرفوعة ضدهم وقد تعمقت الأزمة شيئا فشيئا وصولا الى حل مجلس نواب الشعب بصفة رسمية بعد تجميده و اقرار انتخابات تشريعية موفى شهر ديسمبر 2022 و في هذا الصدد اعتبر الحزب الجمهوري ان هذا القرار هو دفع للبلاد نحو الهاوية.
قرارات و مراسيم رئيس الجمهورية دقت نواقيس الخطر و جعلت الفرقاء السياسيين يتقاطعون في نقطة رفضهم لما اقدم عليه رئيس الجمهورية بصفة فردية و دون حوار حقيقي بين مختلف الفاعلين و غير ذلك هو ايذان بحقبة جديدة مظلمة حسب ما اعلنه الحزب الجمهوري في بيان له. و رغم اتساع رقعة المعارضين لقرارات سعيد الا ان الساحة السياسية تشهد بعض الموالين له.
"البرلمان يهدد أمن البلاد"
هكذا برر رئيس الجمهورية حله للبرلمان و استناده اساسا على الفصل 72 باعتباره الضامن لاستقرار الدولة، و يعتبر هذا القرار ردا على الجلسة البرلمانية التي انعقدت يوم 30 مارس 2022 و افضت الى المصادقة على مشروع قانون يلغي كل المراسيم الرئاسية.
ويرى سعيد أن هذا القانون " عبثا " و ان النواب " عابثون ". قرار جريء و خطوة حاسمة تردد في الاعلان عنها حسب القيادي في الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، اذ ان مجلس نواب الشعب لاقى نقدا لاذعا سابقا من قبل فاعلين في الحقل السياسي على غرار التيار الديمقراطي والحزب الدستوري الحر وحركة الشعب على سبيل الذكر لا الحصر و ترجم غضب جزء من الشعب التونسي يوم 25 جويلية 2021 اثر احتجاجات رافقتها شعارات مثل " الشعب يريد حل البرلمان " و قد يعتبر الاقدام على هذه الخطوة " طمأنة للشعب التونسي " بعد ما سببه مجلس النواب من " افساد " للحياة السياسية حسب ما عبر عنه الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان له يوم الخميس 31 مارس 2022.
زاوية أخرى نظر منها الموالون الى قرار حل البرلمان دون الاشارة الى مغبة الانزلاق الى خطر النزوع نحو الانفراد بالحكم في ظل تمسك رئيس الجمهورية قيس سعيد بالمضي قدما نحو مشروع لم تحدد ملامحه الى حد الآن وفي غياب اي نزعة نحو تشريك الجميع في بناء غد أفضل لتونس.
كما يذكر أن قيس سعيد انفرد بتحديد " خارطة الطريق " قد اعلن عنها يوم 13 ديسمبر 2021 دون تشريك لمختلف الفاعلين السياسيين.
و يذكر أن تجميد عمل مجلس نواب الشعب يوم 25 جويلية 2021 كان ايضا بقرار فردي جمع على اثرها سلطتين سياسيتين بيد شخص واحد لتبقى التجربة الديمقراطية في تونس متأرجحة بين العودة الى ما قبل 2010 او المضي نحو غد مشترك.