مع تواصل الحرب الروسية الأوكرانية تزداد الأمور تأزما وتعقيدا، إذ أنّ حزمة العقوبات المفروضة على روسيا فاقت كل التوقعات وأضحت الأقسى عبر التاريخ متخطية العقوبات التي فرضت من قبل على كوبا والعراق وإيران وجنوب إفريقيا وأفغانستان.
وقد صرح وزير المالية الروسي اليوم أن احتياطي العملة الأجنبية في روسيا المقدر بـ 600 مليار دولار قد تضائل للنصف بسبب العقوبات. كما أنّ كل الودائع الروسية في الخارج قد جُمِّدَت حتى أن سويسرا البلد المحايد وكذلك سنغافورة إنضمتا إلى الدول الفارضة لعقوبات على روسيا. لتتجه روسيا بدورها إلى حليفتيها الصين والهند للتعامل بعُمْلَتَيْهِما المحليتين عوضا عن الدولار.
وفي المقابل أمريكا، تهدد بفرض عقوبات قاسية على البنوك والدول التي تتعاون مع روسيا وتحاول إخراجها من عزلتها. وقد يضع هذا الأمر أمريكا والصين وجها لوجه حتى أن خبراء وزارة الخزانة والعدل في أمريكا بصدد دراسة السبل الكفيلة بفرض عقوبات على من يتعامل مع روسيا بواسطة العملة الرقمية لاسيما بيتكوين.
إنّ أكثر من ستة وعشرين ناقلة نفط روسية مبحرة ولا يوجد مشترين. كما دعت روسيا الشركات الأجنبية المنسحبة من روسيا إلى تأميم أملاكها وأصولها. وهو ما يعيد إلى الأذهان سيناريو التأميم إبان الثورة البلشفية 1917. فقد وجدت هذه الشركات نفسها بين المطرقة والسندان، إذ انّ خروجها من روسيا سيكلفها الكثير وربما لن تستطيع الرجوع للسوق الروسي حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها.
في الآن ذاته، تدرس روسيا الأن إمكانية قطع إمدادات الغاز كليا عن أوروبا التي ستحتاج على الأقل لسنة كاملة لإيجاد بديل للغاز الروسي. كما توجد أنباء عن تزايد أعداد الروس المغادرين لروسيا للإستقرار في بلدان أخرى.
وإنّ أشد المتشائمين في روسيا لم يكن يتوقع كل هذا الكم من العقوبات والعزلة المفروضة على روسيا. وهذا ما تعول عليه أمريكا الطامعة في تنحي بوتين بواسطة ضغوط داخلية في روسيا إما شعبية وإما بإنقلاب عسكري.
اتهامات متبادلة
ومن الجهة الأخرى، تتحدث وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على لسان رئيستها عن شكوكها في إستعمال بوتين أسلحة كيميائية في أوكرانيا وتتوعده بمحاربته في حال تأكدت هذه الشكوك. وقد أضحت هذه العملية لعبة أمريكا المفضلة، ففي كل مرة تتهم خصومها بإستعمال الأسلحة المحرمة دوليا، من صدام إلى حافظ و بشار الأسد و إيران و كوريا الشمالية. في المقابل يؤكد بوتين إستيلائه على مختبرات أسلحة جرثومية في أوكرانيا بتمويلات ومساعدات أمريكية.
اما تحالف أجهزة الإستخبارات الأمريكية والبريطانية والكندية والاسترالية والنيوزيلندية "Five eyes"، فقد أكد أن بوتين يعاني من إضطرابات نفسية مرتبطة إما بسرطان أو الباركنسون. ولاحظ خبراء هذا التحالف إنتفاخ وجهه ورقبة بوتين. وتؤكد تقاريرها عن نوبات غضب تنتاب من حين إلى آخر الرئيس الروسي.
توجد دعوات من دول أوروبية للإستجابة لبايدن وتنفيذ رغبته في تشديد العقوبات على روسيا لكن المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يقول إن العقوبات بشكلها الحالي كافية ولا يجب مزيد إستفزاز روسيا.
كما أنّ بوريل السياسي الإشتراكي الإسباني المحنك وخبير الإقتصاد والرياضيات والذي يعتبره البعض ممثل صوت الحكمة صلب الإتحاد الأوروبي، يفضل أن لا تتطور الأمور إلى تصادم بين أوروبا وروسيا. وشخصيا، يذكرني موقفه بموقف سابق له حين رفض إستقلال إقليم كتلونيا عن إسبانيا في إستفتاء 2017 بالرغم من كونه كتلونيا حد النخاع ومن عائلة مقاومة للدكتاتور فرانكو لكنه غَلَّبَ مصلحة الوطن على مصلحة الإقليم. و يذكرني أيضا بتصريحه ردا على تهديد الرئيس السابق ترامب بالتدخل عسكريا في فنزويلا : "ليس من الملائم فض النزاعات بسياسة رعاة البقر".