بلاغ - يرافق قسم العدالة البيئيّة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منذ شهر سبتمبر 2020 أهالي قرية برج الصالحي التابعة لمعتمدية الهوارية ولاية نابل وذلك منذ ان اكتشف فريق العمل وضعية القرية وتلقى تظلما من قبل الاهالي مفاده أنهم ضحية مظلمة مركبة سلطت عليهم منذ أواخر التسعينات من قبل أجهزة النظام الحاكم ومؤسسات الدولة أجبرتهم آنذاك على تسليم أراضيهم الى الشركة التونسية للكهرباء والغاز من اجل انشاء مشروع حقل سيدي داود لإنتاج الطاقة من الرياح.
وبعد عملية تقصي ومعاينة وإنصات لشهادات الاهالي واجتماعات بالفاعلين المحليين أصدر قسم العدالة البيئيّة بالمنتدى، في مرحلة أولى، بيانا يعلن فيه مساندته المطلقة للاهالي وتبنيه لمطالبهم. ثم أطلق في شهر ديسمبر 2020 حملة مناصرة هدفها رفع المظلمة المسلطة على القرية وإنصافها وتمكينها من حقها في التنمية المستدامة. فكانت من بين الخطوات الهامة التي قام بها، في إطار التشبيك مع السلطة المحلية والمجتمع المدني في معتمدية الهوارية، هي تكوين تنسيقية مدنية اتخذت شكلا تنظيميا افقيا وضمت، الى جانب المنتدى، ممثلين عن الاهالي وممثل عن بلدية الهوارية وعن المجتمع المدني المحلي. وانطلقت التنسيقية في مسار مناصرة راوحت فيه بين الضغط الميداني والضغط الإعلامي والتوثيق والبحث كما قامت بخطوات هامة من اجل مركزة القضية وتحويلها من أسوار المؤسسات المحلية والجهوية الى مراكز الوزارات المعنية وحتى طاولة رئاسة الجمهورية.
ولأن أحد طرفي النزاع القائم منذ سنوات ما قبل الثورة هي الشركة التونسية للكهرباء والغاز، وحفاظا على ديمومة مشاريع الطاقات المتجددة التي نعتبرها مكسبا لا يمكن التفريط فيه كما لا يجوز انتهاك حقوق الانسان بإسمه، وحتى ننهي هذا الصراع القائم منذ عقود والذي أنهك الاهالي وعمق الهوة بينهم وبين السلطة الجهوية والمحلية، توجهنا في قسم العدالة البيئية بمراسلة الى الإدارة العامة للشركة المذكورة وطلبنا منها عقد جلسة تفاوض لحلحلة الملف والبحث عن المسارات الممكنة لإنهاء النزاع وتمكين الاهالي من حقوقهم المشروعة. فكان أن تجاوبت الشركة إيجابيا وسريعا مع طلبنا وقبلت بالتفاوض لرغبتها هي الأخرى في إيجاد حلول لهذا المشروع الذي لا يخدم تعطله الأهداف العامة للتنمية المستدامة التي تعمل عليها الشركة ولا يخدم صورتها ولا التزاماتها داخليا وخارجيا.
وكان يوم 04 مارس 2021 تاريخ انطلاق مسار التفاوض الجدي بين الطرفين بجلسة أولى في مقر الإدارة العامة للستاغ بتونس العاصمة بحضور الرئيس المدير العام للشركة ورؤساء المصالح المختصة وممثلين عن الاهالي وبقية مكونات التنسيقية. وتمكنا، رفقة المكونات الأخرى للتنسيقية، من الخروج من الجلسة باتفاق ممضى من طرف الشركة التزمت فيه الأخيرة بمجموعة من النقاط في علاقة بالجوانب الفنية للمشروع وبمسؤوليتها المجتمعية تجاه القرية.
وحتى تلتزم الشركة بتعهداتها وتطبق ما ورد في الاتفاق واصلنا في قسم العدالة البيئيّة الضغط الميداني والإعلامي. وقمنا بمراسلة وزارة الصناعة كما تواصلنا مع الممول الألماني للمشروع ومكتب الدراسات المكلف بتجديده. وأصدرنا تقريرا مفصلا حول القضية ومسارها صلب التقرير السداسي لقسم العدالة البيئية بالمنتدى. وتتالت الزيارات الميدانية للقرية. وكنا في كل مرة نبحث عن بدائل ومقترحات تستجيب لمطالب الأهالي وتحفظ كرامتهم، ونسعى جاهدا الى استمرارية الحوار بين جميع الأطراف وتعزيزه حتى نحقق اهداف المناصرة ونساهم من جهتنا في الترويج لمشاريع الطاقات المتجددة التي تحترم حقوق الانسان وتؤسس لغد أفضل للأجيال القادمة.
وكانت أولى نقاط الاتفاق حول وضعية الشبكة الكهربائية المهترئة وتداعياتها على الانقطاعات المتكررة للكهرباء فآنطلقت الشركة بالقيام بمسح كامل للقرية ومعاينة الشبكة وجرد مستلزمات صيانتها وتأهيلها فنيا من أجل تمكين الراغبين في عدادات جديدة ثلاثية الأطوار وخاصة منهم الذين استوفوا الإجراءات الإدارية ولم يتمكنوا منذ سنوات من عدادات بفعل سياسة العقاب الجماعي التي كان ينتهجها إقليم الشركة مع الاهالي. وبطلب من الاهالي ومن إطارات الإدارة العامة رافق ممثلو المنتدى أعوان الشركة وواكبوا في مناسبتين عملية المعاينة ميدانيا وكان آخرها بتاريخ 28 جانفي 2022.
أما بخصوص مسألة العقود التي بموجبها تمكنت الشركة من كراء عدد من الأراضي واستغلالها لتركيز المشروع فإنها لم تكن محل تفاوض منذ البداية. اذ بالتوازي مع المسارات الأخرى للمناصرة، يعلن المنتدى رسميا الانطلاق في مسار قضائي وتكليف محام بالملف للطعن في العقود التي اكترت بمقتضاها الشركة الأراضي من الأهالي والتي التي يعتبرها عقود اذعان لا تستجيب للحد الأدنى من احترام حقوق الانسان ولا تتكافأ فيها حظوظ طرفي العقد. كما أنها أبرمت في سياق سياسي مورست فيه كل اشكال الضغط والترهيب على أصحاب الأراضي واستغلت السلط المحلية والجهوية والمركزية حالة الهشاشة التي يعاني منها اغلب أهالي القرية الذين لم يكن بوسعهم آنذاك إلا التسليم والقبول.
إن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية يجدد تأكيده على دعم ومساندة أصحاب الحقوق المشروعة بكل الآليات المتاحة ويعلن تبنيه المطلق واللا مشروط لمطالب أهالي برج الصالحي وإنصافهم والمضي قدما في مسار المناصرة الى حين تحقيق أهدافها. كما يهيب بالشركة التونسية للكهرباء والغاز الالتزام بتعهداتها والتأسيس لمرحلة جديدة أساسها الثقة والتعاون المشترك. ويهيب بمؤسسات الدولة حسن التدخل ونجاعته ويعول على استقلالية القضاء وعلوية القانون ومبادئ العدل والمساواة.