انعقد مؤتمر الحركات الإجتماعية والمواطنية بقصرالمؤتمرات بالعاصمة تونس أيام 10 و11 و12 ديسمبر 2021 بحضور عدد كبير من الفاعلين الإجتماعيين والناشطين في المجتمع المدني والمجال النقابي وكل المهتمين بالشأن الوطني والقضايا المجتمعية . وقد نظم هذا المؤتمر من قبل المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية FTDES. ورفع المؤتمر عديد القضايا المهمة إلى العيان ولعلّ إحدى أهمها قضية نقل العاملات الفلاحيات والتغطية الاجتماعية وإطلاق المجتمع المدني لحملة #سالمة_تعيش.
من خلال ورشة " النساء العاملات في القطاع الفلاحي : من أجل وضع حد لشاحنات الموت وضمان التغطية الإجتماعية"، قدمت جمعية أصوات نساء متمثلة في مديرتها التنفيذية السيدة سارة بن سعيد إحصائيات مفزعة تدق جرس الإنذار وتستدعي التدخل العاجل للدولة في مسألة نقل العاملات في المجال الفلاحي.
- مثل القطاع الفلاحي في تونس نسبة 18% من قطاع التشغيل وتمثل النساء 80% من نسبة العاملين به.
- يحتوي هذا القطاع على نسبة 85.6% من التشغيل الموازي وهو عمل موسمي غير قارّ.
- يحتل هذا القطاع الموازي 15% من اليد العاملة في تونس
- تعاني 60% من النساء العاملات في المجال الفلاحي من مشاكل صحية جراء الإرهاق والاستغلال التشغيلي ( ظروف عمل قاسية ) تزامنا مع غياب التغطية الاجتماعية، وبالتالي عدم القدرة على مجارات المشاكل الصحية.
- النساء يتلقين أجرا منخفضا بنسبة 50% من الرجال ليكون بذلك بين 10 و15 دينارا في اليوم.
وفي مداخلة له، أقرّ رئيس النقابة الجهوية للفلاحين بالقيروان السيد عمر السلامي بأن العمل الفلاحي تم ربطه بالنساء الريفيات، ولكن اليوم العمل الفلاحي أصبحت له علاقة بنساء المدن بسبب الوضعية الإجتماعية الهشة لهذه الفئات كذلك، " حيث أصبحت اليوم نساء من داخل ولاية القيروان وسليانة وجندوبة ومعتمدياتهم يمتطين هذه الشاحنات ويتنقلن إلى الأراضي الفلاحية من أجل العمل".
في هذا الصدد، تحدثت السيدة سوسن جعدي عضوة المنتدى التونسي لحقوق الإقتصادية والإجتماعية عن وسائل نقل العاملات في القطاء الفلاحي بأنها شاحنات الموت إذ تسببت في السنوات الست الاخيرة بين 2015 و2021 في 47 حادثا، مخلفة بذلك 667 اصابة بخطورة متفاوتة في صفوف العملة والعاملات و47 حالة وفاة، منها 39 جريحة و6 وفيات سنة 2020 و116 اصابة وحالة وفاة منذ بداية 2021 الى حدود هذا اليوم. كما تتصدر ولايات الوسط الغربي خاصة سيدي بوزيد والقيروان المراتب الأولى من حيث عدد الحوادث وعدد الضحايا بنسبة 26% لكل منهما اي ما يقابل52%.
كما رفع المنتدى مع جمعيات ومنظمات من المجتمع المدني شعارات تحسيسية تمثلت في: #اوقفوا_شاحنات_الموت، #من_اجل_ظروف_نقل_لائقة_لعاملات_وعمال_القطاع_الفلاحي، #من_اجل_كرامة_النساء_وحماية_حياتهن، #سالمة_تعيش
نقل العاملات في المجال الفلاحي وحلول الدولة
جاء القانون عدد 51 لسنة 2019 المؤرخ في 11 جوان 2019 المتعلق بإحداث صنف جديد لنقل العملة الفلاحين والذي صدر في العدد 48 للرائد الرسمي للجمهورية التونسية في 14 جوان 2019 ، وقد نص في فصله الرابع على أن للحكومة مدة لا تتجاوز 3 أشهر من نشر هذا القانون لاصدار الأمر المتعلق بتطبيقه . وقد أقر هذا القانون إنشاء صنف جديد من وسائل النقل يعنى بالعاملين والعملات في المجال الفلاحي.
وقد دعت جمعية أصوات نساء في هذا الإطار، منذ سنة 2019 ، الحكومة بالتسريع في إصدار الأمر الحكومي الذي سيضبط شروط إنشاء هذا الصنف من وسائل النقل وتتعهد بمتابعة التطبيق القانوني والفعلي له لضمان سلامة نقل العاملات والعاملين في القطاع الفلاحي وتفادي الحوادث الكارثية التي تردي بحياتهم. ولكن إلى اليوم لم تتخذ الدولة أي إجراءات فعلية لتطبيق هذا القانون الذي بقي حبرا على الورق، فتواصلت بذلك أزمة العاملات وحوادث الطرقات معهن وأخرها يوم 29 نوفمبر 2021 حيث أصيب 15 عامل وعاملة في القطاع الفلاحي في حادث مرور بمسلك فلاحي بمنطقة سوغاس من معتمدية الناظور من ولاية زغوان.
من ناحية أخرى، تحدثت السيدة سوسن جعدي عن اشكالية تطبيق هذا القانون، ذلك أن عديد أصحاب وسائل النقل قد عبروا عن رفضهم لتطبيق فصوله باعتبار أن سياراتهم لا تتحمل الذهاب في المسالك الوعرة وأنها فقط تحمل عددا معينا من الأشخاص وهو ما يرفضه كذلك العاملات والعاملين في القطاع الفلاحي. كذلك، فإن العمل الفلاحي هو عمل موسمي ينتهي بنهاية عمل الفلاحين وهي مخاطرة في حد ذاتها بالنسبة لأصحاب وسائل النقل الذين قد يمضون أعمارهم في مديونية للبنوك من أجل خلاص وسيلة نقلهم.
وهنا ترتفع اسئلة عدة تتمثل في ما مدى تدخل الدولة لحل الأزمات المجتمعية ؟ وهل أن إجراءاتها دائما تطبق ؟ وإن طبقت ، هل هي حقا الحل الأمثل ؟ إذ يمكن أن نحل أزمة النقل الفلاحي ولكن نفتح الباب لعديد الأزمات الأخرى .
مبادرات المجتمع المدني لحماية النساء العاملات في القطاع الفلاحي
تحصلت مبادرة "احميني" منذ نشأتها سنة 2016 على عشر جوائز وطنية وست جوائز عالمية، لتتحول فيما بعد إلى مؤسسة قائمة بذاتها وإلى مشروع اجتماعي يوفر تغطية إجتماعية وصحية للنساء الريفيات والعملات بالقطاع الفلاحي. وفي مداخلته، ذكر السيد ماهر الخليفي (صاحب مبادرة احميني) أنّه منذ حوالي سنة لم يفتح مشغل الهاتف الجوال المتعاقد معه رمز التشغيل للنساء من أجل إرسال النقود، فوجدن أنفسهن رهن ديون متخلدة بالذمة. ويواجه المشروع الحائز على جائزة أفضل فكرة عربية، أزمة الفشل في ظل تهاون الدولة وعدم ايجادها حلول تساهم في الضغط على المشغل من أجل إستمرار هذه المبادرة . لنتساءل هكذا: هل أن مآل كل مبادرة مجتمعية ناجحة دوليا الفشل وطنيا ؟ ومن يحرص على عمليات الافشال الممنهج للمشاريع الوطنية ؟ من يدري ، قد تكون أيادي تتمعش دخل الدولة من أزمات الناس وظروفهم القاسية - نموت نحن من أجل الوطن ، ويعيش الوطن من أجلهم.
من ناحية أخرى، بعد مرور أكثر من سنتين على دخول القانون عدد 51 لسنة 2019 المؤرخ في 11 جوان 2019 حيز التنفيذ، أطلقت جمعية أصوات نساء وجمعية ريحانة للمرأة بجندوبة وجمعية صوت حواء والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وجمعية المرأة والمواطنة وجمعية النساء أوّلا تحالفا بعنوان "سالمة تعيش" الذي أطلق بدوره حملة "سالمة تعيش" للنظر في اشكاليات النقل الفلاحي وإيجاد الحلول الناجعة .