عن أزمة الصورة وإخراج الأحداث الثقافية والفنية الكبرى في تونس


بعد متابعة حفل افتتاح واختتام أيام قرطاج السنمائية ثم حفلي افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي وموكب حفل الأقصر طريق الكباش، باتت لدي قناعة بأنه في تونس لدينا أزمة حقيقية في الإخراج وصناعة الصورة المباشرة ، وأقصد إخراج الحفلات الكبرى والمناسبات الفنية والثقافية المهمة خصوصا بعد رحيل المخرجين التلفزيين الكبار أو تقاعدهم… ثمة ذوق ناقص وفكر ناقص وإحساس بالجمال ومواطنه وطرق اقتناصه السريعة كلها مفقودة، ثمة إبهار غائب (ولكم في حفلي مصر مؤخرا وقبلها في حفل نقل الموميوات خير دليل).

ربما اهتم مخرجونا وتلفزاتنا أكثر بالدراما ونسوا إخراج ونقل الحفلات الكبرى مباشرة وهي صورة البلاد التي نسوقها للاخر مشاهدا وسائحا ومشروع زائر لنا قد تنفره صورتنا الفقيرة ، هي إذن بطاقة بريدية بائسة وبطاقة زيارة لا تحقق المطلوب …
 
ليس الأمر مجرد تحكم في التقنيات الحديثة ووضع الكاميرات مهما كان عددها والاستغلال الأقصى للميكسارات والتنقل السريع بين اللقطات والتنويع في القطع بأنامل ماهرة مدربة وحس فني رهيب بل فكرا خلاقا يقبع هناك في عقل المخرج البارد والفنان في آن وفي عينيه اللتين تفوقان عين السمكة في درجة اتساع الرؤية والإحاطة بكل تفاصيل المشهد ذي ال 360 درجة.
 
الأمر حسب تقديري سببه بعد الكسل أزمة تكوين وتدريب وإطلاع ، فمخرجونا لا يقرؤون للأسف ولا يطلعون على تجارب الجيران والعالم حتى على يوتيوب والانترنت.
 
نعم العمق الفكري والفني مفقود للأسف مع نرجسية قاتلة تحول دون تعلمهم زد عليها مؤسسات مهترئة تقتل فيهم كل رغبة في التعلم والتدرب والتحسن والابداع وينتهي بهم الحال مجرد موظفين تقنيين (فيجن ميكسر)يأتون لضغط بعض الأزرار وسط أجهزة متهالكة وإضاءة رديئة وكاميرات فقيرة مختلفة النوعية والحساسية للضوء ضمن العرض الواحد ، ويعودون إلى بيوتهم فرحين مسرورين في انتظار راتب آخر الشهر والحفل القادم دون أي بروفات أو استعدادات أو اقتراحات، ديدنهم دوما كعور وأعطي للأعور، وهم غافلون ومديروهم كذلك ، عن أن العالم يشاهدنا بعينين وبأكثر ربما ويقيمنا ويستخف بما نبث له مهما كانت عراقة المهرجان أو الحدث الثقافي.
 
ملاحظة أخيرة : إن كان لابد من تدريب ودورات تدريبية لماذا لا يرسلون المخرجين للتدرب ومواكبة طريقة إخراج الاحداث الكبرى في مصر وهي أقل كلفة من أماكن أخرى وليس هناك حاجز اللغة وفيها من المخرجين المبدعين الكثير .
 
الكل يبدع ويتميز ويجتهد في نقل صورته وتسويقها كمصر شرقا والمغرب غربا ، ونحن للأسف نطمس صورتنا بأيدينا ونخرجها بفضل بعض مخرجينا من دائرة الوهج والإبهار والمنافسة على الأقل عربيا !