إن الصحف العلمية تعتمد على النقد والتحليل الدقيق للأبحاث والدراسات، مما يستدعي اتباع طريقة مهنية ومسؤولة. وعلى الصحفي العلمي أن يكون قادرا على فهم الأبحاث العلمية وتقييمها بشكل صحيح. يمكن أن يكون أيضا على دراية يالأخطاء المحتملة في التصميم البحثي أو المنهجية المعتمدة أو منهجة القيام بالتحليل الإحصائي لاسيما إذا كان في الأصل باحثا. كما يمكن أن يكون قادرا على التعرف على الاستنتاجات التي لا تتوافق مع البيانات.ومع ذلك، يجب أن يتذكر الصحفي دائمًا أن العلم هو عملية وليس مقالا صحفيا. وليست مهمة الصحفي أن يصحح النتائج العلمية بقدر ما تكمن مهمته في التحقق منها، عبر اعتماد طرق مختلفة.
يجب أن يكون الصحفي هو "غربالا" على حد قول الزميل زهير زايد، "لأنه يجب عليه تصفية وغربلة ما يقع في جعبته من معلومات. وذلك باللجوء الى مصادر اخرى موثوقة أكثر أو التحري في ما يصله من اخبار و ما تسمى بالحقيقة العلمية".
وكما قال الزميل عمرو راجح " لا يمكن التشكيك في النتائج العلمية نظرًا لأسباب عدة، نحن -كصحفيين- لا نمتلك الخبرة العلمية أو العملية كي ندلي بآرائنا في مجال علمي محدد، حتى إن كنا من أصحاب الخلفيات العلمية. لذا لا يُمكن للصحفي "التشكيك"، لأنه أمر يشير إلى قدرة الصحفي على تقديم رأيه الشخصي البحت، بينما يكمن دور الصحفي في نقل الحقيقة والوقائع بناء على آراء الخبراء".
لهذا لا يجب على الصحفي أن لا يكتفي بنتائج البحث الموجود بين يديه، بل يمكن أن يتعمق في الموضوع عبر البحث عن مصادر أخرى. وكما ذكرت الأستاذة روناء المصري "يجب على الصحفي ان يلم بمصادره جيدا قبل ان يتناقش حول نتيجة علمية معينة و الشك هو أساس العلم. فكم من أمور كنا نظنها حقيقة ثم تغيرت مع مرور الزمن بسبب إجراء المزيد من التجارب أو مراقبة النتائج او اكتشاف جديد". وهو أمر لاحظناه مع تطور فيروس كورونا حيث اختلفت نتائج الأبحاث ما بين ليلة وضحاها ومن بلد إلى آخر. فالنتائج العلمية هي نتائج مؤقتة، تعتمد على أفضل المعلومات المتاحة في ذلك الوقت. العلماء يقومون بالمزيد من الأبحاث لاختبار وتحدي هذه النتائج، وهذا هو الطريق الذي يتقدم به العلم. ولهذا تجد الباحث نفسه يحدد تاريخ إطلاعه على الدراسات التي يعتمد عليه خلال إنجازه لبحثه حين يكتب قائمة المصادر بآخر هذا البحث.
عن التشكيك في العلم
على "الصحفى أن يكون صاحب حس نقدى وليس مجرد متلقى للمعلومة فقط"، هكذا قال الزميل محمد عمران جيري. كما ذكر الزميل عمرو خان "الشك والتشكيك شرط من شروط مهارات كتابة القصة الصحفية العلمية". فعقل الصحفي - وفقا للزميل عمرو راجح هو "عقل نقدي، لذا على الصحفي أن يسعى إلى تقديم الحقيقة مدعومة بآراء الخبراء والمتخصصين، وهنا نقول أننا لا نحصل على خبر ما من جهة بحثية ما ونقله دون بحث وتمحيص ومراجعة المصادر المختلفة، إنما نتواصل مع المختصين وندرس ظروف الدراسة.
مثلًا، حين نجد عنوانا بهذا الشكل "تطوير علاج للسرطان"، فهو عنوان مبالغ فيه إذا صدر عن جهة بحثية تسعى مثلًا للشهرة، و الحال أنه إذا تواصلنا مع المصادر المتخصصة قد يقدم إلينا معلومة مفيدة جدواها: "الدواء الجديد تمت تجربته على الفئران"، وهذا هو دور الصحفي المتميز، نقل الحقيقة بعد العودة إلى المصادر المتخصصة، كي يقدم للقارئ معلومات لا آمال زائفة". وهو ما ذكر كل من أحمد منعم وميا فرح " هناك جهات مرتبطة بمصالح معينة وبالتالي فإنّ هذه الجهات ستقوم بممارسة التضليل العلمي بما يتسق ومصالحها الخاصة". إن الصحفي لن يشكك في الخبر بناء على تكهناته بل بناء على تكهنات الخبراء ويمكن مثلما ذكرت الأستاذة رندة الماجري أن بل يناقش المقال مع الخبراء بناء على نتائج علمية.
في النهاية، الهدف من الصحافة العلمية هو إبلاغ الجمهور بشكل دقيق وموضوعي عن التقدم العلمي. الشك والنقد هما جزء أساسي من هذه العملية. ولكن يجب أن يتم ذلك بطريقة تحترم العملية العلمية وتعترف بالقيمة الأساسية للبحث العلمي.
تقول الأستاذة الأستاذة روناء المصري"التشكيك من أجل التشكيك فقط قد يترتب عليه أمور سلبية كثيرة منها مثلا العزوف عن العلم او فقدان الثقة فيه و هو أمر حاربنا كثيرا ضده (كباحثين) وحاولنا رفع درجة الثقة بين العلم والمجتمع. لذا يجب أن يكون التشكيك بالنتائج عملية مدروسة جيدا ومبنيا على تحضير جيد و خلفية مستفيضة من التفاصيل والخلفيات التي في الأساس بنى الصحفي عليها شكوكه".
ماهي نصائحنا؟
يُحتّم عليك دورك كصحفي نقل المعلومات العلمية بأبسط طريقة ممكنة، لكن عليك أيضًا التحقق من المعلومات والتقصي جيدًا من صحتها ودقتها عبر اتباع الخطوات التالية:
1- سؤال الأكاديميين في نفس التخصص
إرسال الدراسة المراد تغطيتها لباحثين أو أكثر من الخبراء المتخصصين في نفس التخصص، لفحصها وإعطاء رأيهم فيها بشفافية.
2- من قام بتمويل هذه الدراسة؟
أغلب الأبحاث هي ممولة من جهة معينة، يجب أن تتأكد من أن التمويل ليس له تأثير على نتائج الدراسة.
3- هل تمت مراجعة هذه الدراسة من الأقران؟
مراجعة الأقران أو النظراء، تعني خضوع البحث إلى مراجعة من علماء آخرين في نفس التخصص، وهم النظراء، وفيها يتناقش الباحث العلمي صاحب الورقة المراد نشرها مع نظيره الذي يراجع البحث بصورة نقدية. تُساعد هذه العملية على التأكد من جودة الورقة البحثية.
4- ما هي الدورية التي نُشر فيها البحث؟
اسم الدورية مهم طبعًا؛ فكلما كانت الدورية العلمية رفيعة المستوى، صارت جودتها أعلى، خاصة وأنّ الدورية العالية تنتقي الأبحاث التي تنشرها وعملية مراجعة الأقران فيها أكثر صرامة. يمكن معرفة مستوى الدورية عبر معامل التأثير (Impact Factor)؛ كلما ارتفع؛ فهذا مؤشر قوي على قوة الدورية.
5- ماذا عن مؤلفي الدراسة؟
يمكنك البحث عن أعمالهم السابقة وسمعتهم، وتقييم خبراتهم في مجال الدراسة المراد تغطيتها. وهل يعملون في منظمات أو مؤسسات تستفيد من نتائج الدراسة.
6- متى نُشرت الدراسة؟
إذا كانت الدراسة منشورة منذ مدة طويلة، ينبغي تتبع الدراسات التي جاءت بعدها في نفس النقطة البحثية، ومعرفة مدى التطور، أو ما الذي أضافته أو انتقدته الدراسات الجديدة.
7- ما هي أحجام العينات؟
هناك العديد من الدراسات القائمة على العينات وفحصها جيدًا، عليك معرفة أنه كلما كانت العينات المستخدمة في الدراسة أكبر، تكون النتائج أكثر دقة مقارنة بالعينات الصغيرة. كذلك، الأبحاث القائمة على النطاق الواسع، أكثر دقة من القائمة على نطاق ضيق.
8- هل تعتمد هذه الدراسة على الاستطلاعات والبيانات واضحة المصدر؟
هناك بعض الدراسات التي تعتمد نتائجها على الاستطلاعات، هنا يجب على الصحافي التدقيق في كيفية إجراء الاستطلاع، وهل تم اختيار المشاركين فيه بصورة عشوائية أم بانحياز؟ أيضًا، يجب أن تكون مصادر البيانات واضحة وكيف حللوها، ليصلوا إلى النتائج.
من ذلك نخلص إلى أنّ الصحافي العلمي ينقل المعلومات العلمية من الأبحاث، لكن ينبغي عليه التقصي عن مصداقية وجودة الدراسة، والتأكد من أنها مؤهلة للكتابة عنها.