ساعتين من الزمن كانتا كافيتان للانتقال من درجة حرارة تساوي الثلاثين إلى برودة الشتاء في رحلة من تونس إلى باريس. هذا أمر لم أكن معتادةً عليه سابقًا نظرًا لقرب المسافة بين البلدين. وجدت نفسي كأنني انتقلت من قطب إلى آخر في لمحة بصر. وهنا تذكرت صندوق الخسائر والأضرار الذي تم الإعلان عنه خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP27 الذي استضافته مدينة شرم الشيخ في مصر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وتعرّف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "الخسائر والأضرار" على أنها الضرر الناجم عن تغير المناخ نتيجة لأنشطة بشرية. وعلى المساهمين في تلك الأضرار أن يجدوا الحلول الكفيلة بتأجيل أو تقليل أو منع الضرر الواقع على المجتمعات المعرضة للخطر في مختلف أنحاء العالم. وتفرض علينا مسؤوليتنا الجماعية تنفيذ سياسات فعالة لمكافحة الاحتباس الحراري الكوكبي والتخفيف من المعاناة وتقديم الدعم المالي للأشخاص الذين تأثرت حياتهم بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
الشتاء الباريسي هو شتاء عادي، ولكن الصيف التونسي هو واحد من علامات التغير المناخي. لا أتذكر أنه كان بإمكاننا أن نسبح في البحر في تونس خلال شهر أكتوبر منذ خمس سنوات. تغيّر المناخ التونسي دون أن نلاحظ ذلك، إلا في السنتين الأخيرتين، على الرغم من أن الخبراء سجلوا العديد من المؤشرات في تونس. وطبعا لن ننسى موجة الحر التي عشناها خلال شهر يوليو، حين وصلت درجة الحرارة إلى الخمسين. كان صيفا تونسيا عنيفا ومازال الامر مستمر كأن الشتاء لن يطرق بابنا قبل شهر يناير.
مع اقتراب مؤتمر الأطراف (COP28) المقرر عقده في دبي، يُعد هذا الموضوع واحدًا من الأسئلة التي يجب على المجتمع الدولي التعامل معها بعد أن تمكنت الحكومات والنشطاء والمتضررون من التوصل إلى اتفاق حول هذا البند الرئيسي في العدالة المناخية. والآن يجب علينا أن نظهر نفس مستوى التعاون لضمان نجاحه.
رئاسة مؤتمر الأطراف 27 عقدت في شهر مارس/آذار، واستضافت أول اجتماعات اللجنة الانتقالية في مدينة الأقصر في مصر لبدء إجراءات تفعيل الصندوق. اختتم الاجتماع الذي استمر ثلاثة أيام بالموافقة على خطة عمل تحتوي على معالم جوهرية وإجرائية لتنفيذ التوصيات بفعالية قبل موعد مؤتمر الأطراف 28. صمم الصندوق لمراعاة الآثار القريبة والمتوسطة والبعيدة المدى التي تنتجها تغيرات المناخ على البلدان النامية. من المتوقع أن يوفر الموارد المالية والتكنولوجية اللازمة للاستجابة للخسائر والأضرار الناجمة عن الأحداث المباشرة وتلك التي تتطور تدريجيا.
للأسف، تسير الأمور ببطء في مناقشات التغير المناخي على الرغم من عمق الأزمة البيئية، حيث تشهد منطقة شمال أفريقيا ومنطقة الساحل حالياً موجات جفاف شديدة ناجمة عن تغير المناخ ناتجة عن أنشطة بشرية. في تونس، عشنا فترات جفاف خلال السنتين الأخيرتين إلى درجة أننا أصبحنا نصلي استخارة من أجل أن يمنحنا الله أمطارًا لنسقي بها زرعنا. كما أصبحنا نعاني من انقطاع المياه في منازلنا من الساعة العاشرة مساءً حتى الساعة السادسة صباحًا، كما لو كنا نعيش حالة حرب. فما بال الدول الإفريقية الأخرى التي أصبحت تعاني من زيادة التبخر في النباتات والتربة، بالإضافة إلى انعدام الأمن الغذائي. هذا دفع الكثير من الأشخاص في البلدان المتضررة إلى النزوح الداخلي أو الهجرة القسرية، مما يؤكد على الآثار المدمرة المترتبة على الاحتباس الحراري الكوكبي والقدرة المحدودة على التكيف معه.
ما نمر به الآن ليس إلا حالة بسيطة مما ينتظرنا في المستقبل. نأمل أن يتم التنفيذ الفعلي لصندوق الخسائر والأضرار. هذا الصندوق هو جزء من جهود التعامل مع تأثيرات تغير المناخ والحد من الأضرار التي تمكنت البلدان المتضررة من تحقيقها. إن الأمل هنا هو في تحقيق نتائج إيجابية في المستقبل من خلال تنفيذ هذا الصندوق.