كل التضامن مع الاستاذ العياشي الهمامي صاحب البوصلة الديموقراطية الواضحة، هذا نص نشرته يوم 9 فيفري 2017 اثر جلسة قهوة معه. فنجان قهوة مع فتى مشاغب .
لم يقابلني من قبل، ولكنه قال انه يعرفني، رجل العتمة، القادم من "الخلف "، مع ما يثيره" الخلف" من فضول ومخاوف. تواعدنا على المقابلة وسط العاصمة.
لم أفوت الفرصة لزيارة بعض المكتبات؛ اشعر بالحسرة . هم يجدون الوقت للكتابة، ونحن لا نجد فسحة للقراءة .
أطوف بين الكتب، وأدندن: "ما أحلى الرجوع اليه "،كما قالت الاخرى.
نحن ابناء نفس الجيل، وصيغ المجاملة تاخذ منا ثلاث دقائق .
مباشرة يطرح السؤال: كيف ترى الأوضاع ؟ يعجبني هذا النوع من التبادل .
امام شخص أقابله أقدر ان احدد ، منذ الدقائق الاولى ، مآل العلاقة. وغالبا ما يصدق حدسي، أحب العلاقات المباشرة، وأكره اللف والدوران .
هذا الذي أمامي سيكون صديقا، لا بأس ساقنعه يوما أن يقلع عن التدخين.
في كلمات مكثفة عبرت عن اهم خلاصاتي، عن اعتزازي بالمنجز السياسي ، وعن خوفي عليه، عن ام المشاكل التي تعاني منها البلاد وهي مشكلة القيادة ، عن تفهمي لغضب الناس واحساسهم بالغموض والاحباط جراء تواضع المنجز التنموي، وإستشراء الفساد.
لم اكن لطيفا في التعبير عن خيبة أملي من كسل الطبقة السياسية المناضلة، وخاصة من يسار ضيع بوصلته، وغرق في الايديولوجي على حساب الاجتماعي، وإستعمل رافعة لعودة النظام القديم، ومن استمرار لجوء كل الطبقة السياسية الى اللغة الخشبية التي لم يعد يسمعها احد.
صديقي كان اكثر حدية في نقد اليسار ،وهو احد ابنائه ،و لكنه كان ناقدا ايضا للنهضة والترويكا، ويرى ان عليها ان تكون صريحة أكثر بخصوص مسؤوليتها في ملفي الارهاب وعودة المنظومة القديمة .
موقفه اقرب للإحباط بخصوص مستقبل التجربة، وأهم مخاوفه ان تتشكل ديموقراطية شكلية تتستر على أفظع اشكال التفاوت الاجتماعي، وأبشع أنواع الفساد .
ذكر لي الاحتجاجات الشعبية التي تحصل في رومانيا هذه الايام على نية الحكومة التغاضي على الاخلالات المالية اقل من أربعين الف أورو، وهكذا يمكن أن تشرع الديموقراطيات الهشة الفساد !!!
كنت أكثر تفاؤلا منه .اذ طرحت سؤال العمل .
كنا متفقين على ان ثورة وقعت ،وهي التي تمثل مرجعيتنا .
وكنا متفقين على ان الدولة الديموقراطية الاجتماعية هي التي تجمعنا، ومن مقتضيات ديموقراطيتها الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد .
وكنا متفقين على امكانية الاتفاق على برنامج يجسد معاني الدولة الديموقراطية الاجتماعية الرشيدة .
شخصيا انا مقتنع ان حركتي النهضة يجب عليها ان تعدل بوصلتها قليلا باتجاه اليسار ، بمعنى العدالة الاجتماعية، وبمعنى القوى السياسية والاجتماعية.
في رايي المباديء تقتضي ذلك، والتوازن السياسي في البلاد يقتضي ذلك، والوفاء لقاعدتنا الانتخابية، من الطبقة المتوسطة فما دونها ، يقتضي ذلك .
وكنا متفقين ان من مستلزمات تحقيق هذا الامل ان تنظر الاحزاب لايديولوجياتها، في السياسة، كمنظومة قيم، وفي القيم يمكن ان نجد التقاأت واسعة ، مع احتفاظ كل طرف بالإسناد الايديولوجي الخاص به.
وكنا متفقين ان النقد الذاتي ضرورة للاحزاب، وهو مطلوب من جميعها ، وانه مسار يبني الثقة .
أكدت لصديقي ان جهدا جبارا يجب ان يبذل لتذويب الجليد، وإزالة سوء التفاهم في الساحتين السياسية والاجتماعية، وهو ما يستلزم صبرا وبيداغوجيا مناسبة، وعسى ان أكون على ذمة هذا الجهد.
وحينما يتقابل تونسيان على فنجان قهوة لا يتكلف ذلك اكثر من ثمن تذكرة مقابلة ودية في كرة القدم . بالتأكيد لا يحل ذلك مشاكل العالم، ولكنه قد لبنة لتذويب الجليد وإزالة سوء الفهم.
ودائما ما تتفطن أن وراء اختلافاتنا الظاهرية توحدنا أشواق جوهرنا الإنساني .