بيان- حال إعلانه عن تفعيل الفصل 80 من دستور 2014، وإعلان حالة الاستثناء ليلة 25 جويلية 2021، توجّه رئيس الجمهوريّة لتعزيز انتهاجه لمسار أحادي يستثني فيه جلّ القوى الوطنية، السياسيّة منها والمدنيّة. وانطلق في تنفيذه لبرنامجه الفردي.
فبعد تجميد مجلس نوّاب الشعب وحلّ الحكومة، أصدر سعيّد، الأمر 117، الذي اعتبرته منظّمة البوصلة تنظيما مؤقّتا للسلطات، حيثُ جمّع بموجبه رئيس الجمهوريّة جميع السلطات بيده. لتصبح الحكومة مُعيّنة من قبله ومسؤولة أمامه، ويُصبح هو في نفس الوقت المُشرّع دون امكانيّة الطعن في القرارات الصادرة عنه.
إثر ذلك، كشف رئيس الجمهوريّة عن خارطة طريقه، التي انطلقت باستشارة الكترونيّة، تلاعب فيها مُعدّوها منهجيا ومضمونيّا حتى تتلاءم مع توجّهات وبرنامج الرئيس. وهو ما دفع بأغلب الفاعلين السياسيّين والمدنيّين لمقاطعتها واعتبارها وسيلة وأداة لشرعنة التغيّيرات المُبرمجة سلفا.
ليأتي يوم 30 جوان 2022، ويصدر بالرائد الرسمي للجمهوريّة التونسيّة، المشروع الجديد للدستور في سياق ضبابي وانعزالي لم تشارك فيه مُعظم القوى المدنيّة والسياسية وكان التشريك صوريا وحكرا على داعمي مسار الرئيس.
اتّسم كل هذا المسار بميزتين أساسيتين وهما عدم التشريك والانفراد بالرأي من ناحية، وشكليّة المحطات المُعلنة لكونها في المُجمل محطّات لم تتجاوز كونها آليات لفرض مشروع الرئيس الذي لم يتغيّر لا بناء على الحوار ولا بناء حتى على نتائج الاستشارة التي لم تقرّ بتغيّير الدستور. الفرضيّة التي حظيت فقط باختيار 36.5% من المشاركين أي حوالي 200 ألف شخص.
من جهة ثانية، قرّر قيس سعيّد في نفس السياق، حلّ المجلس الأعلى للقضاء في مناسبة أولى، ليتولى فيما بعد احداث مجلس أعلى مؤقّت للقضاء بموجب المرسوم عدد 11 لسنة 2022، ولم يمنعه رغم ذلك من إعفاء بصفة اعتباطية وأحادية 57 قاض دون المرور بهذا المجلس ثم التعنت في هذا القرار رغم اسقاطه من طرف المحكمة الإدارية، ضاربا عرض الحائط مبادئ استقلالية القضاء والفصل بين السلط. ليضع الرئيس يده على السلطة القضائية وينطلق في التدخّل في سير عملها.
إنّ جلّ القرارات والمراسيم والأوامر الصادرة عن رئيس الجمهوريّة لم تنجح سوى في نسف أولى لبنات البناء الديمقراطي، فعوض الذهاب نحو تعزيز وتدعيم مكانة المؤسسات الرقابيّة والهيئات المستقلة، انتهج رئيس الدولة سياسة الغاء كل بناء تعلّق بالفترة السابقة دون النظر لمدى أهميّته وقيمته في مسار الانتقال للديمقراطي.
وقبل المرور للاستفتاء واصل سعيّد سعيه الحثيث للسيطرة على كل مؤسّسات الدولة ليتدخّل ويعيّن تركيبة جديدة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ضاربا استقلاليتها وواضعا لقواعد غير نزيهة لمسار الاستفتاء والانتخابات في تخلّي جليّ على كلّ ما راكمته البلاد من تجربة في مجال الانتخابات الحرّة ما بعد الثورة.
مثّل صدور القانون المُنظّم لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب ترجمة حقيقيّة لنوايا رئيس الجمهوريّة التي أعلن البعض منها في نصوص دستوره الجديد. وأسّس هذا القانون لانتخاب مفرغ من محتواه لمجلس نيابي يغيب فيه التناصف ويتصدّره ذوي الوجاهة القبليّة والماليّة.
وعليه، واعتبارا للدور الهام الذي لعبته المنظمة في مُراقبتها لأعمال السلطة التشريعيّة مُنذ مرحلة التأسيس لدستور 2014 وعملها في المجلسين التشريعيين السابقين وسعيها للمُحافظة على رسالتها وأهدافها الثابتة في الدفاع عن الديمقراطيّة وفرض الاستقلاليّة والشفافيّة والمُساءلة ودعم المُشاركة المُواطنيّة في الفضاء العام بالرغم من كلّ محاولات التضيّيق والتعتيم في سبيل ابعاد عُيون الرقابة والمُساءلة من أروقة مجلس نواب الشعب.
وبالنظر لكلّ ما سبق ذكره وشرحه، واعتبارا لإيماننا الرّاسخ بضرورة الدفاع عن المبادئ الديمقراطية التي دافع عنها الشعب التونسي وقدّم في سبيل إقرارها وترسيخها العديد من الشهداء والجرحى، فإن منظّمة البوصلة تُعلم الرأي العام بـ:
مُقاطعتها لمؤسسة مجلس نواب الشعب القادم، والنأي بنفسها عن اكساء المشروعيّة على هيكل صُوري وُضع فقط لمُعاضدة توجهات الرئيس واكساء جلّ ركائز بناءه السياسي الجديد رُوحا زائفة من التشاركيّة والديمقراطية المغشوشة.
مُواصلتها لعب دورها الرقابي في مُتابعة التشريعات التي ستصدر عن الرئيس وعن مجلسه وايصالها إلى عموم المُواطنين والمواطنات، للتصدّي لمسار تكريس نظام تسلّطي ولكلّ محاولات العودة إلى الوراء.