متفائل ... لكن دائما حذر، أنا بطبعي متفائل وفي نفس الوقت حذر، ولكن لا يمكنني أن أكون ضد مسار جويلية، فأنا ناديت به وجل النخب توقعته وترقبته والشعب رحبّ به.
فقد تعطلت الدولة وتعطل الحوار وافلست الدول و احتار الناس ولم يعد الوضع يتحمل الانتظار وليس العمل انقلابا و انما إنقاذ مهما كانت ملابسات الإجراء. الإصلاح السياسي الذي حصل في خطوطه العريضة مقبول ولكن في التفاصيل هفوات بدأت تنعكس في التطبيق، ويصعب ان يبقى الامر هكذا، فالخشية ان تنفلت الأمور، و تتفشى الفوضى والاستقرار بالبوليس استقرار هش، و ليس هو الاستقرار الذي يحبه الناس ويدفع الى الاستثمار.
جُرِب هذا و لم يدم قد يكون ضروريا لوقت، لكن يجب أن ينتهي لا أريد شيئا الا مصلحة البلاد. انا من الذين لا ينادون بالعودة الى الوراء، لا الوراء القريب ولا الوراء البعيد، فالعالم دائما يتقدم لو عاد بورقيبة اليوم ولو عاد بن علي، لما اتبعا نفس الخط السابق.
نحن الان في مجتمع اخر وفي عالم اخر وبورقيبة وبن علي عرفا بالبراغماتية الواقعية والمرحلية. فالشعار الان هو: لا للعودة الى الوراء، ولا للمغامرة بالمجهول.
لا هذا و لا ذاك البرلمان الجديد لن يغير كثيرا، و يصعب ان يكون المنطلق لكتل قوية ومنها لأحزاب جديدة والقضاء لم يتعافي بعد، واستقلاله ضروري لتفادي أية انتكاسة واستفاقته تكون من اهله وانا اعرف ما اقول.
رئيس الدولة خلافا لما يبدو للناس لا يحكم وحده، و لن يحكم وحده كلّما جمّع الصلاحيات التف حوله الطامعون يعرف هو ان في الفعل و مهما كانت النصوص ليس هناك حكم للفرد وحده وليس هناك حكم للشعب كله. الحكم يعود دائما الى أقلّية واذا لم يهتد الى تركيز المؤسسات، لتحكم بشفافية وعدالة، تتسلل الاقليات بمصادر نفوذ مختلفة، فتغرّر به وتنتفع من نفوذه وفي النهاية، ينغلق النظام وينفجر ويجرف التيار الجميع.
من باب المحبة لقيس وهو صديق عزيز، اقول له انتبه من الأولغرشيا التي لن تراها بسهولة وجمّع افضل الكفاءات حولك واستمع الى أخلص الناس. واقول له بالخصوص إبني المؤسسات، و إرفع القانون عاليا، فذاك الذي يبقى، فالدولة تبقى ونحن كلنا ذاهبون.
صحيح ان قيس أقدم على إصلاحات لم تقدم عليها الانظمة من قبله ( رفع الدعم ، اصلاح الشركات العمومية ، تركيز العدالة الجباية ... ) وهذا يحسب له ولكن حذاري. اقول له توخى المرحلية، وابدا بالإجراءات المواكبة، واختر الوقت المناسب، حاول ان تكون النقابات معك، و صانعي الراي العام، ان التوازنات صعبة جدا اليوم ، وقطرة واحدة زائدة قد تفيض الكأس. هناك اشياء كثيرة يحب أن نتأمل في مخاطرها: مجلس الجهات، الشركات الاهلية، الصلح الجزائي ... ويجب ان نحد من المؤثرات.
كما يجب الحد من إجراءات S حتى تبقى في مقاومة الإرهاب وفي حماية أمن الدولة لا غير، والكف عن مواصلة عدالة انتقالية فاتت الزمن الذي حدده الدستور واصبحت انتهاكا للعدالة، والكف عن شيطنة رجال الأعمال فهم دعامة الاقتصاد ولا شيء يبنى دون اقتصاد، وإعادة الاعتبار للنقابات مع تحييدها عن السياسة، وإحياء وظائف الاحزاب السياسة اذ بدونها لا تقوم الديمقراطية - فالاحزاب تبسط البدائل لتحقيق التنافس الديمقراطي وتعد القيادات لتحمل المسؤليات وهو الاهم.
اما رايتم كيف انه دون احزاب تصعب التعيينات وتتلاشى المسؤليات.
اما رايتم كيف انه دون احزاب تصعب التعيينات وتتلاشى المسؤليات.
لست متشائما كما قلت في البداية، ولكني منشغل فعلا وأرى أن التدارك ممكن شرط أن يحصل الان هناك اشياء في السياسية لا تحتمل الانتظار. فإدارة الدولة ليست سهلة وتحتاج إلى معرفة وخبرة وهؤلاء موجودون في كل الأجيال، لا استغناء عن احد، فهم ثروة تونس، ولا يحق لاحد طمس هذه الثروة.