من يقف وراء شلل المجلس الوطني للجباية والفساد الجبائي؟


بيان-  إحداث المجلس الوطني للجباية بمقتضى الفصل 4 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية بغاية تقييم النظام الجبائي ومدى ملاءمته مع الأهداف المرسومة والمتعلقة خاصة بتوازن المالية العمومية وتحقيق النجاعة الإقتصادية والعدالة الجبائية. كما يبدي المجلس رأيه في جميع المسائل المتعلقة بالجباية المعروضة عليه. لقد تم ضمنيا الغاء تلك المهام وقبرها من خلال الامر التطبيقي عدد 1250 لسنــــة 2001 المؤرخ في 28 مــــاي 2001 المتعلـّـق بضبــط تركيبة المجلس الوطني للجباية وطرق تسييره الذي منح رئاسة المجلس لوزير المالية.

وباعتبار ان المجلس فاقد للاستقلالية اللازمة حيث أن رئاسته أسندت لوزير المالية الذي تحول إلى خصم وحكم فإنه لم ينجز المهام المناطة بعهدته ولم يساهم في ارساء العدالة الجبائية وذلك منذ اشتغاله بداية من غرة جانفي 2002. الاتعس من ذلك ان ذاك المجلس المشلول سيء التركيبة لم ينجز اية دراسة بخصوص المنظومة الجبائية الفاسدة، ناهيك ان وزير المالية تكفل بكتابته وبالدعوة لاجتماعاته ومقره الصوري موجود بوزارة المالية.

ان عرض مشاريع قوانين المالية بصفة صورية على ذاك المجلس المشلول بغاية تبرير ما ورد بها من احكام فاسدة من شانها نهب موارد دافعي الضرائب من منتجي الثروة دون مساءلة وتحصين المتهربين من دفع الضريبة وناهبي الامتيازات والدعم العمومي واغتصاب مجال تدخل المهن المؤهلة قانونا واثقال كاهل منتجي الثروة يذكرنا بنفس الاساليب التي يستعملها الرئيس المخلوع والمتمثلة في الاستشارات اللاوطنية والندوات الفولكلورية وكذلك استشارة المجالس والهيئات واللجان التي هي جزء من منظومة التخلف والفساد. لماذا لم يحرك المجلس ساكنا تجاه السماسرة في الملفات الجبائية ومخربي الخزينة العامة الذين يكلفونها سنويا مليارات الدينارات وهي مبالغ بامكانها القضاء على الفقر والبطالة والمديونية؟

لماذا لم يعمل على تحوير الصياغة الفاسدة للفصول 39 و42 و60 و118 و120 و130 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية التي تسمح للسماسرة والفاسدين بالتدخل في الملفات الجبائية من خلال التنصيص على إمكانية ان يستعين المطالب بالاداء "بمن يختاره" بدل تعويضها بعبارة "بمستشار"؟ لماذا لم يعمل على تنظيم مهنة المستشار الجبائي المحكومة بقانون 1960 المتخلف بالنظر للمعايير الموضوعة من قبل الكونفدرالية الاروبية للجباية الممثلة لاكثر من 200 الف مستشارا جبائيا وذلك بغاية قطع الطريق امام السماسرة ومخربي الخزينة العامة وحماية المطالبين بالاداء وفسح المجال امام حاملي الشهادات العليا في الجباية الذين لا يمكنهم الانتصاب لحسابهم الخاص اليوم نتيجة اطلاق العنان لمخربي الخزينة العامة؟
لماذا لم يحرك ساكنا تجاه الاحكام الفاسدة وغير الدستورية التي تشترط الانتفاع بحق من قبل صنف من المؤسسات دون سواها بتعيين مراقب حسابات والتي تمت صياغتها على مقاس المناشدين والاقارب مخربين بذلك القدرات التنافسة للمؤسسة التي تم تحويلها الى بقرة حلوب بالتواطؤ مع اعضاء لجنة البرنامج الاقتصادي المستقبلي للرئيس المخلوع صلب التجمع المنحل والتي كانت تمرر من خلالها الاحكام الجبائية الفاسدة خدمة لممتهني المحاسبة حتى يملئوا جيوبهم على حساب مردودية المؤسسة الاقتصادية مثلما هو الشان بالنسبة للفصل 15 من مجلة الاداء على القيمة المضافة والفصل 23 من مجلة التسجيل والفصول 48 سابعا و49 ثالثا و49 عاشرا و54 من مجلة الضريبة على الدخل والضريبة على الشركات وكذلك الفصل 19 من قانون المالية لسنة 2015 الذي قنن الرشوة والابتزاز والفصل 47 من قانون المالية لسنة 2016 الذي تم تمريره لتخريب موارد الخزينة العامة وهي سابقة خطيرة لم يعرفها التشريع الجبائي في تونس؟

لماذا لم يعمل على حذف الفصل 30 من قانون المالية لسنة 2011 الذي احدث لجنة اعادة النظر في قرارات التوظيف الاجباري التي تعتبر محكمة خارج المنظومة القضائية والتي خلفت اللجنة الاستشارية المكلفة بالنظر في عرائض المطالبين بالاداء التي ساهمت في شطب الديون الجبائية في خرق للقانون من سنة 1998 الى سنة 2010 والتي تضم ضمن تركيبتها خبيرين محاسبين من الموالين لمنظومة الرئيس المخلوع علما ان ذلك يعتبر جناية رفضت الحكومات المتعاقبة التحقيق فيها؟
لماذا لم يعمل على حذف الأوامر والقرارات الوزارية الفاسدة المخالفة بصفة صارخة للفصل 65 من دستور 2014 والفصل 75 من دستور 2022؟
لماذا لم يعمل على التصدي للاشخاص الذين هم بصدد عرقلة الاصلاحات التشريعية والمؤسسية التي ترمي الى الضرب على ايدي المتحيلين والمتهربين من دفع الضريبة ومحولي وجهة الامتيازات المالية والجبائية ومبيضي الاموال الذين يستغلون الثغرات التي تطبع التشريع الجبائي الجاري به العمل؟

وباعتبار اهمية الدور الذي يمكن أن يقوم به المجلس، كان من المفروض منحه كل ما يحتاجه من الموارد البشرية والمادية وكذلك الشخصية القانونية والاستقلالية التامة على غرار مجلس الإقتطاعات الوجوبية بفرنسا المرؤوس من قبل الرئيس الاول لدائرة المحاسبات والذي ساهم بصفة كبيرة في تطوير النظام الجبائي الفرنسي من خلال الدراسات العلمية التي ينجزها ويضعها على ذمة العموم بعد عرضها على رئيس الدولة وبالاخص تلك المتعلقة بمكافحة التهرب الجبائي بكل صرامة.

كان بالامكان انعاش المجلس واخراجه من غيبوبته وتخليصه من الجمود حتى يلعب دورا كبيرا في مجال الإصلاح الجبائي وكذلك في مجال مكافحة التهرب الجبائي الذي يكلف الخزينة العامة سنويا عشرات مليارات الدينارات نتيجة استفحال الفساد في المجال الجبائي كما اكد ذلك المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية.

كان بالامكان المبادرة بصفة عاجلة بتطهير المجلس وتغيير تركيبته السيئة لكي لا تضم الا المختصين في المادة الجبائية على غرار ما هو معمول به بفرنسا اين لا نجد اثرا لممتهني المحاسبة او مراقبي الحسابات وذلك من خلال تحوير الامر الفاسد عدد 1250 لسنة 2001 في مرحلة اولى وكذلك الفصل 4 من مجلة الحقوق والاجراءات الجبائية في مرحلة ثانية، علما ان هذا المقترح تصدى له الفاسدون قبل وبعد 14 جانفي 2011 حتى يبقى المجلس الوطني للجباية مشلولا ولا يساهم في كشف عيوب المنظومة الجبائية الفاسدة التي ساهمت في اغراق البلد في المديونية وتخريب المرفق العمومي والقدرات الشرائية للمواطن والتنافسية للمؤسسات الاقتصادية المنضبطة من خلال اثقال كاهلها بمعاليم واداءات لا قبل لها بها دون الحديث عن الاحكام التمييزية الفاسدة التي قننت الرشوة والابتزاز والتي تشترط الانتفاع بحق بمصادقة مراقب حسابات على القوائم المالية لصنف من المؤسسات دون سواها.

تبعا لما تقدم، هل سيبادر رئيس الجمهورية في اطار قانون المالية لسنة 2023 بإصلاح المجلس الوطني للجباية لكي يقوم بدوره في ارساء العدالة الجبائية وتطهير المنظومة الجبائية من الاحكام الفاسدة واعداد استراتيجية وطنية لمكافحة التهرب والفساد في المجال الجبائي الذي يكلف الخزينة العامة سنويا عشرات مليارات الدينارات ويفتح تحقيقا بخصوص الفاسدين المعطلين لمشروع القانون المتعلق بالمستشارين الجبائيين الجاهز برئاسة الحكومة وللإصلاحات التشريعية والمؤسسية اللازمة خدمة للوبيات الكونترا والتوريد الوحشي ونهب المؤسسات واغتصاب مجال تدخل المهن المؤهلة قانونا والتهرب الجبائي والتهريب وتبييض الأموال وتحويلها الى الخارج؟