من البديهي في كل الدول تقريبا الاعتناء بالطفولة التي مستقبل أي شعب. ويقاس تقدم الشعوب أو تخلفها بمدى الاستثمار في هاته الثروة وبمدى القوانين الحامية لها. والاهم من ذلك هو مدى التماهي بين النظري و التطبيقي حيث يتفق الجميع على أهمية حماية الأطفال و يسنون القوانين الصارمة لحمايتهم لكن قلة من الشعوب من تطبق هاته القوانين واغلبها معد للتسويق الخارجي.
اخر أرقام "اليونيسيف" تشير الى وجود حوالي 37 مليونا طفلا مشردا في جميع أنحاء العالم وهو أعلى رقم مسجل منذ الحرب العالمية الثانية. وأغلبهم من المنقطعين عن الدراسة أو يتلقون تعليما سيئا. وهؤلاء الأطفال يتواجدون في دول النزاع و الحروب على غرار اليمن وافغانستان وسوريا و ليبيا وفي عدد من الدول الافريقية و الاسيوية. وهم عادة عرضة للاستغلال بكل أنواعه.
كما يوجد 160 مليون طفل حول العالم يستغلون في العمل الموجه للبالغين ويشير تقرير الأمم المتحدة و اليونيسيف لسنة 2021 إلى ارتفاع كبير في عدد الأطفال العاملين من الفئة العمرية 5–11 عاماً، والذين يمثلون اليوم أكثر من نصف الرقم العالمي الإجمالي. وارتفع عدد أطفال هذه الفئة ممن يزاولون أعمالاً خطرة — أي أعمالاً يحتمل أن تضر بصحتهم أو سلامتهم أو أخلاقهم — بما يناهز 6.5 مليون منذ عام 2016 ليصل إلى 79 مليوناً.
في تونس أوضاع الطفولة لا تختلف مع الاسف مع أوضاع الأطفال في دول الحروب و الدول المتخلفة و رغم ترسانة القوانين الا أن تطبيقها شبه منعدم. اليوم أكثر من مليون تلميذ انقطعوا على الدراسة في العشرية الاخيرة.وفي تونس وحسب الأرقام الرسمية و التي تختلف عن الواقع بكثير لدينا حوالي 300 طفل جانح مودعون في مراكز الاصلاح.غير أنّ الاف الجانحين من القصّر يرتعون في الشوارع و يحترفون الاجرام و"البراكاجات" .
وفي ذات السياق وبحسب آخر إحصائية أجراها المعهد الوطني للإحصاء ووزارة الشؤون الاجتماعية، فإن ما يزيد على 215 ألف طفل يمارسون العمالة في تونس، أي حوالي 9.5% من الأطفال التونسيين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة، فيما إن 176 ألف طفل من إجمالي عدد الأطفال العاملين هم تحت سن 16 عاماً.
ورغم مصادقة البرلمان التونسي في 2017، على قانون يجرّم تعمد تشغيل الأطفال في المنازل، إلا أن ذلك لم يكن لم يغيّر شيئا في واقع الأطفال المرير بسبب ضعف الرقابة الحكومية و اصرار الأولياء على تشغيل أبنائهم في التسوّل و في محطات الاستخلاص و في المنازل خدم و في الورشات كعبيد .
لقد بات من المؤكدّ أن تتجنّد الحكومة و المجتمع المدني الى انقاذ الطفولة المهددة في تونس و التي تمثل حوالي ثلث مجموع السكان بالبلاد حيث بلغ عدد الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 0 و19 سنة لسنة 2021 3 ملايين و770 ألف و575 طفل .وهو عدد مرتفع مقارنة بدول أخرى وهو ثروة لابدّ من استغلالها جيدا و الاستثمار فيها . وهذا لايتم سوى بتشديد العقوبات على الأولياء وسن قوانين جديدة ان اقتضى الأمر يلزم العائلة بالحفاظ على الطفل وحمايته وعدم استغلاله في التشغيل و ضمان مزاولته لدراسته .فالطفل ليس ملكية فردية لأبويه انّما هو ملك للمجموعة الوطنية .
كما أنه بات من الملحّ التصدّي للظاهرة الأخطر و هي الانقطاع المبكر عن الدراسة قبل سن 18سنة وهي نسبة مرتفعة تؤكّد فشل المنظومة التربوية وهنا لابدّ من اعادة نظام التعليم المهني الذي أثبت نجاعته على مدى سنوات قبل التخلي عنه اعتباطيا فهذا التعليم أنتج لنا عشرات الالاف من "الصنايعيّة" مولوا المعامل و الشركات و الكثير منهم تحوّلوا الى الخارج في اطار التعاون الفني و الهجرة المنظمة. اعادة هذا النوع من التعليم سيعوّض منظومة التكوين المهني الحالية المترهّلة التي لم تنتج سوى مزيد من العاطلين عن العمل ومزيدا من الأطفال المهمشين.
ويبقى الاطار القانوني هو الأمثل لإجراء أي اصلاح هيكلي في قطاع الطفولة حيث أن مجلة الطفلة باتت في حاجة الى مراجعة شاملة و لم تعد تستجيب لمتطلبات العصر .كما بات من الضروري اعتماد مشروع المنظمة الدولية لحماية المتوسّط و المتمثل في اعتماد بطاقة الهوية البيرومترية للأطفال فهذه البطاقة لهاميزات كبيرة و ستجنّب أطفالنا الاستغلال و الاتجار بالبشر كما ستلزم الأولياء بحماية أبنائهم و الحفاظ عليهم.
ان مستقبل أطفال تونس في خطر وهي حقيقة لم يعد ممكنا تجاهلها و الخطر سيطال مستقبل بلادنا فلا مستقبل لبلد أطفاله يعيشون حاضرا مزريا.و لا شيء يؤثر على مستقبل الإنسان قدر أحداث الطفولة والخبرات النفسية للأطفال.