نتساءل كيف للمواطننين الذين يعملون من أوائل الصباح للمساء فقط من اجل الحصول على 500 د وربما أقل، كيف يستطيعون العيش بخير؟ بل كيف يستطيعون دفع معاليم الكراء والماء والكهرباء وبقية المصاريف؟ ثم ماذا يأكلون ؟ وكيف يؤمنون قوت صغارهم؟ هل يستطيعون عيش حياة عاطفية متوازنة، أن يَحِبوا ويُحَبوا ويعيشوا قصص حب، ويتمكنوا من الزواج ويستقروا ويكونوا عائلات. وما هو احساسهم عندما يشاهدون عالم الانستغرام وبقية السوشيال ميديا ويحاولون المقارنة بين ما يعيشونه وبين العالم الافتراضي. والآخرون يتحدثون عن الشعبوية والمليار ومائة مليون قيمة اللحوم التي اشترتها الرئاسة خلال شهر واحد.
احيانا عندما تكثر هموم الشخص يتذكر همّ غيره ويقول كم نحن نبالغ، وانه لا يوجد وقت لنضيعه في الاكتئاب على مشاكل صغيرة، وأن وقتنا كله لخدمة هؤولاء الناس الذين لم تترك لهم الظروف عقلا لمعرفة العدو من الصديق. كم هو عالم معكوس، ومقلوب رأسا على عقب.
كذلك إن الامتناع عن التصويت أصبح له طابع طبقي وشعبي واضح: فعدد الناخبين الذين يصوتون في مراكز الاقتراع في مدن الطبقة العاملة والأحياء الصناعية وضواحي العواصم والبلدات والمناطق الريفية في الجنوب، بين الشباب والنساء الطبقات الشعبية يتقلص دورة بعد أخرى، وهو ما يؤشر لتزايد انعدام الثقة والشعور بالغربة والعداء من جانب قطاعات كبيرة من الجماهير العاملة والأجيال الجديدة تجاه البرلمان والمؤسسات والأحزاب البرجوازية، التي فقدت شرعيتها إلى حد كبير في هذه الجولة الانتخابية. إنه تعبير واضح عن تفكك الديمقراطية البرجوازية.
وعلى سبيل المثال، تصوروا أن بلدا بمثل تاريخ ايطاليا الفكري والفني والحضاري يفوز في انتخاباته حزب يرفع شعار :الله، الوطن العائلة. حزب اخوان ايطاليا وريث الفاشية الميسلونية. حتماً سيتلو هذا الانحطاط والانحدار الذي يشهده النظام الراسمالي العالمي نهوضا جديدا واستفاقة لقوى التقدم الحقيقية.
نحن في مرحلة أقصى الانحدار نحو الانحطاط. وهناك ضربان من الانحدار السياسي؛ الاول هو وصول قوى لا علاقة لها بالثورة واهدافها الحقيقية للحكم بعد 2011. أما الصنف الثاني، قوى تستثمر في الحصيلة الكارثية للحكم. للحنين لما قبل الثورة وفي الانتقام من الثورة. فكلهم معادون للثورة سواء من وصل منهم للحكم أو الذي يستثمر في فشل هؤولاء للعودة الى ما قبل 2011.
محمد الحباسي