الضجّة التي قمتم بها فيما يخصّ شطحات وعاظ دينيين يشرفون على البرامج الدينية بالقناتين 1 و2، يجب أن نضعها في سياقها القانوني حتى نفهم جيدا ما يحاك لهذا المجتمع.
أولا، هذه البرامج لا تتدخّل فيها القناتان، وإنّما هما من مشمولات وزارة الشؤون الدينية التي نصّت في قانونها الأساسي التسييري إلى أنّ من مشمولاتها ، وهي كثيرة، "النهوض بالإعلام الديني وتطويره ترشيدًا للخطاب الديني". ولتدركوا خطورة هذه المهمّة، فهي ترسم منهج الإرادة السياسية في المجال الديني، وكلّ انزياح عن المقصد يؤدّي إلى إقالة الوزير. لذا فإنّ تعيين أيّ شخص على رأس هذه الوزارة يجب أن يكون طبق مواصفات دقيقة.
ثانيا ما شاهدتموه هذه الأيام من تحليلات ليس بجديد أو بدعة، وكم نبهتكم إلى هذا المنعرج الخطير، لكن يبدو أنكم كنتم منشغلين بمسائل أهمّ. ولتعلموا أنّ من يشرف على هذه الحصص إنّما يعيّنون من وزارة الشؤون الدينية، أي هم من صفوة الصفوة، والله أعلم بما يقوله غيرهم من الدعاة.. ولذلك فإنّ كلّ دقيقة مدروسة وموزونة: مثل طريقة اللباس .. الجبة التونسية.. وأحيانا تكون هذه الجبة بألوان زاهية كالأحمر والأصفر والبرتقالي ولا بأس في أن يكون الدعاة من الشباب يحلقون ذقونهم حتى يظهروا أنّهم نابعون من تونس العميقة.
أيضا، بقيت المادة التي يجب أن تزرع في الأذهان فهي زراعة "مندية" أي عَلَتْها الرطوبة، وفي كثير من الأحيان أخرجت من قبور عصور الانحطاط وألبسوها جبّة " تحديث الفكر الديني" ، لكن عن أيّ تحديث تتحدّثون وقد صارت جامعة الزيتونة أسيرة الفكر الإخواني منذ 2011؟؟ فالفكر الظلامي انتشر في العقول بتونس، ولا أبالغ عندما أقول لكم تمكّن في الحركات والنظرات وأسّر الأجسام وعمّ على بقية الإيديولوجيات بما فيها الحداثية واليسارية، ولكم في نموذج المرأة المنتمية إلى هذه آلإيديولوجيات خير مثال، وفي المرأة المعتبرة رائدة ومثقفة.
لكم أن تخرجوا إلى الشارع وتحصون عدد النساء غير المحجبات وفي الَحجاب رمزية مؤلمة، لأنّها تحمل رسالة خطيرة تشهد على أنّ المرأة المتحجبة مؤمنة بالله وبالرسول. ويأتي الحجاب من باب أنّ المرأة عورة يمكن أن تثير غريزة الرجل كأنها كائن مكتملا بل هو ناقص يبحث عن غطاء ليغطّي نقصانه. وهذا حكم مسلط على أنّ المرأة مهما بلغت من علم وإرادة وقدرة، فهي أمام الرجل مطالبة بحمايته هو "الملاك" منها هي "الإبليسة"، لأنّ الشيطان اتخذها دابة ركب عليها ورفض النزول. كلّ شيء مختصر في هذا الغطاء الذي صار هدفا أساسيا في الثورة الإيرانية اليوم. وخوفي أن نجد أنفسنا نحن التونسيات آخر من يتجاوب مع هذه الثورة والسبب انتصار الفكر الإخواني في زراعة مبدإ التمكين.
فالحديث عن تهميش التمكين الإخواني مشروط بما أبنت بل حتى مصر فهي قاومت سياسة الإخوان وحاربت إرادتهم في افتكاك السلطة، وهو نفس ما نعيشه نحن من صراعات مع إخوان تونس.
لكن، هل فتحت مصر ملفّ التمكين الإخواني؟؟؟؟ لا .. هل انتبهت أحزابنا إلى هذه النقطة؟؟؟ لا والدليل على قولي تعميم الجهل في المناطق التي حكم فيها الإخوان، وهذا هدفهم الذي يحفظ بقاءهم تحت الرماد، ولا يمكن البتة الحديث عن انتصار على الإخوان لأنّ فكرهم تمكّن في العقول والنفوس وفي السلوك.