هو ما حصل في مباراة تونس والبرازيل واللقطة الأخطر من حادثة الموز، هي التصفير على النشيد الرسمي البرازيلي في مجرد مباراة ودية ! ففي مباراة رسمية، الجمهور هو جزء من اللعبة، ومهمته هي أن يصعب المباراة على الفريق المنافس معنويا، ويشحذ عزائم فريقه.
وفي الدول الموبوءة حضاريا، مازلنا نعتقد أن اللاعب يتأثر عندما تصفر على نشيده الرسمي، والذي هو نفسه لا يحفظه، على فكرة لأن قصة النشيد الرسمي وتحية العلم كل صباح هي تعود لدول سوفياتية.
هي مباراة ودية، وهذا يعني كون بلدك إختارت طواعية أن يواجه منتخب بلد آخر، وهذا ما يصير عادة إلا أن تكون العلاقات السياسية بين البلدين على الأقل عادية كي لا نقول طيبة ووثيقة. فتجدنفسك في مباراة تفوز أو تخسر لن يعير شيئا وحتى قواعد اللعبة متغيرة نسبيا في أغلب الأحيان. فمن المفروضأن تحضر "للتنبير" والتهكم، وترحل، خصوصا أنك تلعب مع فريق القيمة التسويقية لأقل لاعب فيه أكبر من ميزانية كل النوادي الرياضية التونسية وبالتالي النتيجة معروفة مسبقا وليست مفاجئة.
وحتى لو فرضنا أن بلدك صديقة مع البرازيل، أما أنت فلا وتريد ابراز معارضتك لهذه العلاقات الطيبة، ما دخل منتخب هذا البلد؟ فتخيل نفسك تدخل للعمل وأنت تعيش في فرنسا وزملائك المغاربة الكل لا يلقون عليك التحية، ولا يريدون العمل معك، وفيهم حتى من يبصق عندما تمر بجانبه بسبب إستقبال قيس سعيّد لزعيم البوليساريو؟!
وأصلا ماذا يعرف التونسييون عن البرازيل؟ غير لعبي كرة القدم والسامبا، أصلا 90% من التونسيين يعتقدون أنهم يتحدثون الإسبانية، ويعيشون قبائل في غابات الأمازون، أو في مدن مثل الفافيلاس، وكلهم ذوي بشرة سمراء. يعني أنا أحاول إيجاد سبب مقنع لمثل هذه التصرفات.. لا يوجد. يعني "قلة تربية" وتشويه لصورة تونس في الخارج لا غير.
أعود لقضية الموز ذات البعد العنصري، الجامعة البرازيلية قررت رفع شكوى للفيفا، تعرفون السبب ؟ لأن رفض العنصرية شيء متجذر في جينات البرازيليين، أصلا عندما إحتلت البرتغال البرازيل في القرن 16، كانوا محتاجين ليد عاملة لجمع الخشب وقصب السكر، وحاولوا إستعباد السكان المحلليين اللذين خيروا الهروب للغابات و الاتحار على العبودية وهي أخطر أشكال العنصرية !
بالطبع مواطن ساذج يعتقد أن ممارسة الجنس مع فتاة سمراء يداوي من الأمراض، وكون أفارقة جنوب الصحراء يعيشون مع الأسود، ويسمع في إذاعاته وسيم الحريصي يلعب دور مواطن إفريقي من جنوب الصحراء بغرض السخرية وفي قانونه لديه شيء إسمه "التحيل على الطريقة الإفريقية"، وعندما يكون في حيّه مواطن أسمر يناديه "كحلة" وغيرها من الأمور المخزية... هذا المواطن من الصعب أن يفهم غضب الجامعة البرازيلية وإحتجاجها.