مرّت 3 سنوات على رحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي، كانت ذكراه السنوية تمرّ مرور الكرام لكن اليوم نقف عندها ونترحّم على رجل استثنائي لن يكرّره الزمان، وبمغادرته تونس لم يضّل الوضع كما كان.
بن علي كان رجلا وطنيا يحبّ البلاد بتفان وإخلاص وطالما كان شديد الحرص على الحفاظ على صورتها في الخارج لتصبح اليوم في طريقها الى الإفلاس بعد ارتفاع العجز التجاري وتسوّل حكومتنا من الدول ومن صندوق النقد الدولي، تونس التي كانت ذات سيادة وصيت عالمي تعيش اليوم أزمة اقتصادية شبيهة بسيناريو لبنان.
الطبقة المتوسطة التي كانت تعيش في سكينة في عهد بن علي تضمحلّ اليوم شيئا فشيئا مع ارتفاع الأسعار بطريقة جنونية مقابل تدهور القدرة الشرائية للمواطن، علاوة على فقدان المواد الأساسية من الأسواق، فالتونسي اليوم لن يحلم بشراء اللحوم والغلال بل أصبح أقصى طموحاته الحصول على كيلو من السكر أو لتر من الزيت يباع خلسة في ظلّ تنامي سياسة الاحتكار.
أما الطبقة الفقيرة التي كانت تقتات في عهد بن علي من الإعانات الاجتماعية والجمعيات الخيرية اليوم باتت عاجزة عن العيش حتى على رغيف الخبز الحاف وفي طريقها الى الاندثار، لعلّ الموت يكون رحيما بوضع مزري عجزت الدولة عن تداركه بل زادت الطين بلّة ولم يفلح رئيسها المصون سوى في عرض قدراته اللغوية وخطاباته الاعتباطية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
دولتنا الفاشلة على جميع الأصعدة نجحت فقط في تقليل نسبة الكثافة السكانية من خلال تشجيعها، ولو بطريقة غير مباشرة، آلاف الشباب العاطلين عن العمل على الهجرة غير الشرعية، لا بل حتى الكهول وربّات البيوت والأطفال، آلاف اختاروا المخاطرة وركوب الأمواج أملا في مستقبل أفضل ولو كان الموت حليفهم فلن يكون أبشع وأقسى من واقع ضبابي لا يبشّر بخير.
"بالأمن والأمان يحيا هنا الإنسان'' ... أغنية شهيرة رافقت المناسبات الوطنية في عهد الرئيس الراحل بن علي، كانت كلماتها صادقة آنذاك فكان التونسي يعيش في طمأنية داخل وخارج أسوار بيته، الأمن مستتبّ والأوضاع تحت السيطرة ليجد اليوم نفسه مهدّدا أينما حلّ، ارتفعت نسبة الجريمة وحالات الاغتصاب وانتشرت المخدّرات في الأوساط المدرسية والجامعية وأصبحت 'البراكاجات' أمرا مسلّما في الليل والنهار في الأحياء الشعبية والمناطق الراقية على حدّ السواء دون توفير حماية أمنية كفيلة للحدّ من هذه الممارسات الشنيعة.