تقع ولاية جندوبة بإقليم الشمال الغربي للبلاد التونسية. وقع إحداثها في 20 جوان 1956 وتمسح 310 كلم مربع أي حوالي 2٪ من المساحة الوطنية ويبلغ عدد سكانها 407.000 ساكنا وفق إحصاء 2014 موزعين على 14 بلدية و9 معتمديات.
تعتبر ولاية جندوبة الخزان المائي للبلاد التونسية نظرا لاحتضانها 14٪من الموارد المائية الوطنية حيث يتراوح المعدل السنوي لكميات الأمطار بين 450 مم جنوب الولاية و1000 مم على السواحل الشمالية ويتجاوز 1500 بمرتفعات عين دراهم مع نسبة تزود بالماء الصالح للشراب تقدر ب 87.28٪.
خارطة توزيع الشبكة المائية بولاية جندوبة
تعتبر هذه الولاية جهة فلاحية بامتياز حيث تبلغ المساحة الصالحة للزراعة299.4 ألف هكتار من بينها 39.3 ألف هكتار مساحات سقوية مع موارد مائية هامة قابلة للتعبئة تبلغ 662.2 م3. لكن على الرغم من هذه المقومات تعاني الجهة من عديد المشاكل لعل أبرزها النقص الحاصل في التزود بالماء الصالح للشراب ومشكلة الصرف الصحي التي تعاني منها عديد المعتمديات.
في إطار مشروع العدالة البيئية للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تم تنظيم ملتقى لتبادل الشباب بولاية جندوبة تضمن العديد من الزيارات الميدانية التي عاين من خلالها الشباب المشارك جملة من الإشكاليات البيئية كان من أبرزها مشكلة الصرف الصحي. ويعاني من هذا المشكل بالخصوص حي النور النقرة بمعتمدية بلطة بوعوان والذي يقطنه حوالي 1500 ساكنا كان لنا معهم لقاء مطول للاستماع إلى مشاغلهم حول مشكلة الصرف الصحي وانعكاساتها البيئية والصحية.
حي النور في غياب الصرف الصحي
يتمثل الإشكال أساسا في غياب الربط بشبكة الصرف الصحي مما يضطر الأهالي إلى حفر أبار لتجميع المياه المستعملة (مياه غسيل ودورات المياه…). وفي شهادة حية للسيد منير حويجي أكد أنه” في حالة هطول الأمطار يصل ارتفاع الماء إلى متر، حيث يكون الحي في حالة كارثية بسبب كثرة الأوحال التي تؤثر خاصة على تنقل التلاميذ الى مدارسهم وكبار السن” وفي شهادة ثانية ذكرت السيدة وريدة غزواني أن ” أمنيتها الوحيدة هي ربط الحي بشبكة الصرف الصحي والقطع مع المعاناة التي يتسبب فيها انسداد البالوعة المحدثة داخل المنزل لجمع المياه المستعملة مما يتسبب في فيضانه وانتشار الروائح الكريهة والحشرات.”
تحركات الأهالي للمطالبة بربطهم بشبكة الصرف الصحي
قام المتساكنون بالاتصال بالسلط المعنية (البلدية والديوان الوطني للتطهير) لكنهم لم يجدوا أذانا صاغية مما اضطرهم إلى القيام بالعديد من التحركات الاحتجاجية عن طريق التظلم والتفاوض وصولا إلى غلق الطريق الرابطة بين بوسالم وطبرقة.
ويعتبر الحق في الصرف الصحي من حقوق الإنسان الاساسية وبنفس درجة أهمية جميع الحقوق الأخرى وذلك مثل ما أكد عليه مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتاريخ 1 أكتوبر 2010. كما تضمن الدولة التونسية حسب الفصل 47 من دستور 2022 الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ وتسعى إلى توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي. وبالإضافة إلى ذلك يقر الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بالحق في المياه والصرف الصحي اللذان يعتبران أساسيين لضمان صحة جيدة وعيش كريم.
منطقتا العيايدة وحوطة مباركة تعانيان العطش
تشتهر ولاية جندوبة بثراء مواردها المائية من سدود وبحيرات وعيون طبيعية لكن من المفارقات أن عديد المناطق تعاني من عدم توفر الماء الصالح للشراب وغياب ربطها بشبكة الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. كما لا تتجاوز نسبة ربط المدراس بالماء الصالح للشراب في ولاية جندوبة 50٪ مقارنة بولايات أكثر حظا على غرار تونس الكبرى أين تصل نسبة الربط إلى 100٪. وحسب المقال الصادر بجريدة الشروق في 8 سبتمبر 2008 للصحفي عبد الكريم السلطاني يصل عدد المدارس المعطشة بولاية جندوبة الى 100 مدرسة وهو ما يؤثر على جودة التعليم ويساهم في انتشار الأمراض مثل التهاب الكبد الفيروسي والعجز الكلوي إضافة الى المشاكل النفسية لدى الناشئة التي تؤدي في نهاية المطاف الى انتشار ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة.
كما تعرف مختلف معتمديات ولاية جندوبة أزمات عطش على غرار منطقة عين الحاج بلطة بوعوان وفج حسين غار الدماء وحليمة معتمدية فرنانة ومشراوة بمعتمدية عين دراهم.
سكان منطقة العيايدة ينتفضون من اجل حقهم في الماء
وقد عاينا بتاريخ 23 جوان 2022 وقفة احتجاجية بمنطقة العيايدة بمعتمدية بلطة بوعوان بسبب تعطل مشروع التزود بالماء الصالح للشرب منذ 4 سنين. وفي شهادة لأحدى المتساكنات بمنطقة العيايدة التابعة لمعتمدية بلطة بوعوان قالت:” اعاني من اوجاع في أسفل الظهر ولا أستطيع حمل الماء مما اضطرني الى الاستعانة بالحمار… وتعينني قريبتي في جلب 4″ابادن” نتقاسمها فيما بيننا.. نحن لا نطلب مقرونة ولا تشغيل، مطلبنا الوحيد هو الماء. في العادة اقطع مسافة 4 كيلومترات وفي حالة التعب استعمل ماء بحيرة اللوح رغم انه غير صالح للاستعمال بسبب انتشار جثث الحيوانات النافقة“.
اهالي عين الحاج وبني محمد يتشاركون عين الماء مع الحيوانات
اما في منطقة عين الحاج وبني محمد من نفس المعتمدية التي قمنا بزيارتهما بتاريخ 23جون 2022تختلف الوضعية بالنظر الى استغلال الاهالي لعين جبلية في ظروف مزرية إضافة الى التضاريس الوعرة التي تتسبب في كم هائل من المخاطر مثل الانزلاقات. معاناة هذه المنطقة لم تتوقف عند هذا الحد اذ انهم يتقاسمون هذا المصدر الوحيد للمياه مع الحيوانات منها غير الأليفة.
وفي شهادة للسيدة مريم اكدت انها تعاني معاناة كبرى منذ الفجر في جلب المياه لها ولحيواناتها كما اضافت ان شح المياه وصعوبة الحصول عليه تسبب في هجرة معظم شباب المنطقة.
كما أكد لنا الشاب حلمي سلامي أن الوضعية متواصلة على حالها منذ عشرات السنين. وفي سؤالهم عن التداعيات الصحية، أجمع المتساكنون على انتشار أمراض المفاصل والقصور الكلوي.
وتجدر الإشارة إلى قيام الاهالي بعدة تحركات احتجاجية مطالبين بحقهم في الماء الصالح للشراب كما نص على ذلك الفصل 48 من الدستور التونسي الجديد ” على الدولة توفير الماء الصالح للشراب للجميع على قدم المساواة، وعليها المحافظة على الثّروة المائية للأجيال القادمة “. لكن وككل مرة، تتعلل الدولة ممثلة في الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه بارتفاع كلفة المشروع، وتشتت التجمعات السكنية ووعورة تضاريس المنطقة.
الحق في الماء والصرف الصحي حقوق مدسترة وجب مناصرتها
وفي الختام، نؤكد من جانبنا كمنتدى تونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ممثلا في قسم العدالة البيئية أن لكل مواطن الحق في الماء الصالح للشراب كما وكيفا مع العدل في التوزيع بين المناطق الحضرية والريفية مهما كانت الصعوبات والمشاكل الجغرافية أو الأعذار التي تتحجج بها الهياكل المعنية خاصة منها الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه والجمعيات المائية التي وجب النظر في جدواها. كما نذكر بمقترحنا في إحداث هيكل يعنى بتزويد المناطق الريفية بالماء الصالح للشراب تحت مسمى الصوناد الريفي.